توثيق سورة الحجرات
نقدم لكم هذه المقالة من موقع احلم بحث نحن عنوان توثيق سورة الحجرات، فالقرآن الكريم مجرة من الكواكب المضيئة فكل آية تمثل كوكباً مضيئاً منيراً لكل من يقرأ القرن الكريم او يستمع وينصت للذكر الحكيم ، ومن هذه الأنوار سورة الحجرات التي على الرغم من أنها سورة قصيرة وعدد آياتها القليل الذي لا يتجاوز 18 آية ، إلا أنها تشتمل على الكثير والكثير من الأداب والأوامر التي تجعل الإنسان صالحاً خلوقاً ذا أخلاق عالية فيكون بهذا متبعاً لقواعد الأدب والخلق الطيب مع الله ونبيه الأمين صلى الله عليه وسلم وحتى مع جميع الناس فيتربى الإنسان على يد الله العظيم .
توثيق سورة الحجرات
سورة الحجرات سورة نزلت على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة المنورة ، ونزلت بالتحديد في العام التاسع للهجرة المباركة ، ونزلت بعد سورة المجادلة وهي في الجزء 26 من القرآن الكريم ، وسميت بهذا الإسم لأنه قصد بها حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت كل واحدة تمتلك حجرة خاصة بها خلف المسجد النبوي الشريف، و تتطرقت السورة لعدة مجالات تتربط بالأخلاق، وهذه المجالات هي كيف يتعامل المسلم مع الله والرسول صلى الله عليه وسلم ، وكيفية التواصل مع الفاسقين من الناس ،وضرورة التأكد من الأخبار وصحتها قبل إتخاذ القرار والأحكام ، وقتال من يحاول زرع الفتنة بين المسلمين، والإبتعاد الكلي عن الإستهزاء وتحقير الناس للناس، وترك عادة الظن السئ بالناس والتجسس والتحدث عن الناس بالسئ،وأن التقوى هي المقياس في التقييم، والفرق بين الإسلام والإيمان عند الله تعالى.
سبب نزول سورة الحجرات:
- أما عن اسباب نزول آيات هذه السورة المباركة فالآيتين رقم 1و 2 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)) نزلتا لأن أصحاب النبي صلى عليه وسلم رفعوا أصواتهم في حضرة النبي الله عليه وسلم وأثناء وجوده، فقد روي عن عبدالله بن الزبير قال : قدم ركب من بني تميم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس ، قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما . فنزلت في ذلك الآيات – رواه البخاري، وروي في سبب نزول الآية 2 قعد ثابت بن قيس بن شماس في الطريق يبكي ، فمر به عاصم بن عدي فقال : ما يبكيك ؟ قال هذه الآية ، أتخوف أن تكون نزلت فيي فيحبط عملي وأكون من أهل النار ، وأنا رجل صيت رفيع الصوت ، فرفع عاصم ذلك إلى رسول الله فدعا به فقال له : أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟ قال رضيت ببشرى الله ورسوله ، ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله ، فلما كان يوم اليمامة قتل – رواه البخاري ومسلم .
- والآيتين 4 و 5 ((إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)) نزلتا بسبب أناس حضروا لبيت النبي صلى الله عليه وسلم ونادوا عليه بدون ألقاب ولم يصبروا حتى يخرج لهم، فقد روي عن زيد بن أرقم قال : جاء ناس من العرب إلى حجر النبي فجعلوا ينادون : يا محمد ، يا محمد ، اخرج إلينا فمدحنا زين ، وذمنا شين ، فآذى صوتهم رسول الله فنزلت الآيتان – رواه ابن جرير
- وأما سبب نزول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فقد روي عن الحارث بن ضرار الخزاعي سيد يني المصطلق قال : قدمت على رسول الله فدعاني إلى الأسلام فأقررت به ودخلت فيه ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الأسلام وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، فترسل إلي رسولا لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة ، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان ، احتبس رسول الرسول فلم يأته ، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا سروات قومه فقال لهم : إن رسول الله قد وقت وقتا يرسل إلي رسوله لقبض ما عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة ، فانطلقوا فنأتي رسول الله ، وفي الوقت الذي خرج فيه الحارث للحضور عند رسول الله بعث رسول الله الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما عنده من الزكاة ، فلما سار الوليد وقطع بعض الطرق خاف ورجع والتقى برسول الله وقال : له إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي ، فبعث رسول الله جماعة إلى الحارث فالتقت به وبأصحابه ، فقال الحارث لهذه الجماعة إلى من بعثتم ؟ قالت إليك ، قال : ولم ؟ فقالت له إن رسول الله بعث إليك الوليد بن عقبة ، فمنعته الزكاة وأردت قتله ، فقال الحارث : والذي بعث محمدا ما رأيت الوليد وما رآني ، ثم دخل الحارث على رسول الله فقال له الرسول : منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ فقال للرسول : والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله خشيت أن تكون سخطة من الله ورسوله ، فنزلت الآية المذكورة . رواه أحمد والطبراني
- أما الآية 9 ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)) نزلت لنشوب خلاف بين بعض المؤمنين وأمر الله تعالى أن يتم الإصلاح بين الأطراف المتخاصمة .
- أما الآية 11 ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)) فنزلت لأن كان لكل رجل من رجال المدينة أكثر من اسم وكانوا ينادوا بعضهم البعض بهذه الأسماء فكره رسول الله هذا وغضب وأمرهم بترك هذه العادة السيئة .
- والآية 13(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) نزلت لأن بعض القوم سخر من سمرة بشرة بلال فبين الله تعالى أن التقوى هو المقياس السليم للتقوى والإيمان.
- والآيات 14 و15و16 و17(( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)) فنزلوا لأن عشرة رجال من بني أسد أتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا على الرغم من أن الرسول صل الله عليه وسلم لم يرسل لهم أحد يدعوهم للإسلام ولم يقاتلهم أو يجبرهم على الإسلام بل أسلموا هم لوحدهم بإرادتهم .
وفي الختام نستطيع أن نستخلص الدروس المستفادة من سورة الحجرات والتي تناولت أساسيات غاية في الأهمية منها تحريم رفع الصوت و إزعاج الناس ، ضرورة الأدب في التعامل مع جميع الناس ، خطورة الشائعات والأخبار الكاذبة ، وبهذا تكون سورة الحجرات مرجع من مراجع الخلق الطيب والسلوك الحسن مع الناس وبين الناس على إختلاف المستوى الإجتماعي والمادي .