هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه، كان يُسمى في الجاهلية بعبد شمس بن صخر، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكان يُكنَّى بأبو هريرة؛ لأنه وجد هرة فقام بحملها في كُمه، فلما رؤي كذلك قيل له: أبو هريرة.
وقد أسلم رضي الله تعالى عنه بدوس، ثم قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجًا إلى خيبر، فلحقه أبو هريرة رضي الله عنه وشهد فتح خيبر معه.
وكان رضي الله عنه من فقراء المسلمين، من أهل الصُّفَّة، وقد كان هذا الموضع مظللًا في المسجد يذهب إليه الفقراء والغرباء ومن لا يؤيهم بيت.
ونحن في هذا الموضوع أبو هريرة رضي الله عنه راوي الأحاديث النبوية، نتعرض إلى نبذة من سيرة حياة هذا الصحابي الجليل الذي هو أكثر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية لأحاديثه الشريفة؛ لما كان من ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم.
أبو هريرة رضي الله عنه :
كان أبو هريرة رضي الله تعالى من العُبَّاد الذاكرين الله كثيرًا، وقد رُوي عنه أنه قال: “إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر ذنبي!”.
ورُوي أنه كان له خيط فيها ألفا عقدة لا ينام حتى يسبح به.
وقد قال أبو عثمان النهدي: “تضيَّفتُ أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأتُه وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا؛ يصلي هذا، ثم يوقظ الآخرَ فيصلي، ثم يوقظ الثالث”.
جهده في رواية السنة وحفظها:
كان رضي الله عنه واحدًا من كبار الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مسنِد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينازع في ذلك أحد، وقد زادت رواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم على خمسة آلاف وثلاث مئة حديث، بعض تلك الأحاديث قد حفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواها عنه مباشرة، وبعضها رواها بالواسطة من خلال بعض كبار الصحابة من أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأُبي بن كعب رضي الله عن الجميع.
وقد روى البخاري في (صحيحه) عن أبي هريرة أنه قال: “ما من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أحدٌ أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب”.
وقال الحاكم: “كان من أحفظ أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وألزمهم له صحبة على شِبَع بطنه، فكانت يده مع يده يدور معه حيث دار إلى أن مات ولذلك كثر حديثه”.
الثناء عليه:
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الصحابي الجليل وحرصه في طلب العلم، حيث روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: “لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولَ منك؛ لما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قِبل نفسه”.
وقد كان يثني عليه كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول: “يا أبا هريرة كنتَ ألزمُنا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأعلمنا بحديثه”، رواه الحاكم في (المستدرك).
وقال طلحة بن عبيد الله: “لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لم نسمع”.
وقد أثنى التابعون وتابعوهم على علم وحفظ أبي هريرة بما يضيق المجال بذكره، وقد قال فيه الشافعي: “أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره”.
كان هذا ختام موضوعنا حول أبو هريرة رضي الله عنه راوي الأحاديث النبوية، قدمنا خلال هذه المقالة بعض المعلومات اليسيرة حول سيرة هذا الصحابي الجليل الذي روى الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ملازمًا له حريصًا على طلب العلم جادًّا فيه، فوفقه الله تعالى لما كان يرجو من الخير، فصار أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية للحديث، فرحمه الله رحمة واسعة ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حملوا أمانة هذا الدين في مشارق الأرض ومغاربها، وأوصلوا لنا الدين غضًّا طريًّا.