الدعاء مخ العبادة، الدعاء هو الكلام الذي يخرج من قلب العبد المخلص من على طرف لسانه ليخترق حجب السماء ليصل وصوله إلى الله تعالى في عليائه، فالله تعالى يسمع الدعاء من فوق سبع سموات، ويجيب الدعاء من فوق سبع سموات لا يحجر حاجز بين الله وعبده، فالله تعالى قريب من عباده، أقرب إلى الإنسان من وريده، وهو سبحانه وتعالى يحب أن يدعوه عبده فهو يحب أن يتفضل على عبادة بالرحمة والمغفرة والأجر والثواب العميم الفضيل، والله سبحانه وتعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض، والإنسان في حاجة ماسة ودائمة إلى الدعاء، يدعو الله أن يفرج عنه الكربة وما أكثر كربات الحياة والدنيا، يدعو الله أن يوفقه في أموره كلها، يدعو الله أن ينجحه في امتحاناته، يدعو الله أن يشفي له مريضه، فالله تعالى يحب أن يكثر العبد من دعائه، والإنسان لا يستنكف أن يدعو الله سبحانه وتعالى بما يفتح الله له من الدعاء، فالدعاء وسيلة هامة لكي يحقق الإنسان ما يريده ولكي يصل إلى ما يريد، فنحن بدون الله سبحانه وتعالى لا شيء، ونحن بالله كل شيء.
ووردت بعض الأحاديث المهمة للغاية التي يتغياها كل مسلم حول الأوقات التي يستجيب الله سبحانه وتعالى فيها الدعاء، الأدعية المستجابة رحمة من الله بعباده ورفقًا بهم وحَدَبًا عليهم، فالله سبحانه رؤوف رحيم غفور كريم، وهذه الأحاديث التي وردت فيها هذه الأدعية من الأهمية الكبرى، فالإنسان الذي يتحرى أن يدعو الله سبحانه وتعالى بما دعاه به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما نبه عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الدعاء الذي يستجيبه الله، فهو أمر مهم له ونافع له غاية النفع وعظيم له غاية العظمة، والإنسان لا ييأس أبدًا من الدعاء ولا يكل ولا يمل ولا يصيبه فتور ولا ملل ولا كلل، لا لا هذه ليست من صفات المسلمين، المسلم لا ييأس أبدًا، إذا دعيت ولم يستجب الله تعالى لك فادع الله ثانية ولا تمل من الدعاء أبدًا أبدًا، فالله تعالى يحب العبد الذي يدعوه، ولعل الله تعالى يدَّخر لك حسن هذا الدعاء في الآخرة، فتجد غِبَّ دعائك مذخور لك عند الله تعالى في الآخرة يوم القيامة، حينها تتمنى أن لو كان كل دعائك لله ذُخِرَ لك في الآخرة.
قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وقال أيضًا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: [ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟] وفي لفظ آخر فيقول: هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من تائب فيتاب عليه حتى يطلع الفجر.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: [أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء]. أخرجهما مسلم في صحيحه.
ومن هنا عرفنا أن نتخير الأوقات التي يكون فيها الدعاء مستجابًا إن شاء الله تعالى، فهذه الأوقات في السجود وتخيُّر الليالي الفاضلة في الدعاء وساعة الجمعة التي جاء فيها الحديث عَن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: [فِيه سَاعَةٌ لا يُوَافِقها عَبْدٌ مُسلِمٌ، وَهُو قَائِمٌ يُصَلِّي يسأَلُ اللَّه شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاه وَأَشَارَ بِيدِهِ يُقَلِّلُهَا] متفقٌ عليه.
أدعية مستجابة من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم:
يتخير الإنسان أن يجتهد في الدعاء في الأوقات والليالي الفاضلة، ونورد هنا بعض الأدعية التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم بها، وهي أحرى أن تكون من الأدعية المستجابة إن شاء الله تعالى:
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:
(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ) رواه مسلم.
عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآَجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لِي خَيْرًا ).
«اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» رواه مسلم.
(اللَّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)، (يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك)، (اللَّهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا).
(اللَّهُمَّ احْفَظنِي بالإِسْلاَمِ قائِماً، واحْفَظْنِي بالإِسْلاَمِ قاعِداً، واحْفَظنِي بالإِسْلاَمِ راقِداً، ولا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً ولا حاسِداً. اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ كُلِّ خَيْر خزائِنُهُ بِيَدِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرَ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ).
عَنْ ابْنِ مَسعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعفافَ والْغِنَى» رواه مسلم .
وعَن ابنِ مسْعُودٍ رَضي اللَّه عنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى ، وَالتُّقَى ، وَالعفَافَ ، والغنَى » رواهُ مُسْلِمٌ .
وعَنْ طارِقِ بنِ أَشْيَمَ ، رضِيَ اللَّه عَنْهُ ، قالَ : كَانَ الرَّجلُ إِذا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الصَّلاةَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدعُوَ بهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ : « اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ، وَارْحمْني ، واهْدِني ، وعافِني ، وارْزُقني » رواهُ مسلمٌ، وفي رِوايَةٍ لَهُ عَنْ طارقٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَتاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يا رَسُولَ اللَّهِ . كيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي ؟ قَالَ : « قُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ، وَارْحَمْني ، وَعَافِني ، وَارْزُقني ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ ».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عمرو بن العاصِ رضيَ اللَّه عنْهُمَا ، قَالَ : قَال رَسُولُ اللَّـهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صرِّفْ قُلوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبي هُريَرةَ رَضيَ اللَّه عَنْهُ ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ ، وَشَماتَةِ الأَعْدَاءِ » متفقٌ عليه، وَعَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ : « اللَّهمَّ أَصْلِحْ لي دِيني الَّذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ التي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيها معادي، وَاجْعلِ الحيَاةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الموتَ راحَةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍ » رَوَاهُ مسلِمٌ.
كان هذا ختام موضوعنا اليوم، وكان من الموضوعات التي تشغل بال كل مسلم، حيث إن كل مسلم يبحث عن الدعاء وعن استجابة الله للدعاء، وكيف يستجيب الله الدعاء، وقد نقلنا بعض هذه الأدعية لكي يحفظها المسلم ويدعو الله بها ويتعبد له بكل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يحب دعاء عبده، ويحب أن لا ينسى العبد دعاءه سبحانه وتعالى، فالله له عظيم الفضل وله الجزاء الأوفى، فهو يجزي كل إنسان بحسب نيته وإخلاصه، والإخلاص أمر في غاية الأهمية بالنسبة للداعي، فالإنسان عليه أن يستحضر كل معاني الإخلاص لله تعالى وهو يدعوه، فلا يدعو الله لكي يراه الناس أو يسمع به الناس، لا بل يدعو الله تعالى مخلصًا منيبًا إليه خاشعًا على عتبة مغفرته حتى يغفر الله له بفضله الكبير وثوابه العظيم.