محتوي الموضوع
إن الإنسان لم يستطيع في يوم من الأيام منذ فجر التاريخ أن يحيا بمفرده، فعند مطالعتك للتاريخ وكيف بدأت صراعات الحياة التاريخية، ستجد أنه منذ بداية الخليقة والإنسان يسعي إلى تكوين مجتمع يشبه ولو كان هذا المجتمع صغير، فتجد دائماً الفرد يحن إلى أخواته ويناصرهم ويصفهم بالعزوة، فحتى وإن كنا على خلاف مع أخواتنا، فإن هذا الخلاف غالبًا لا يتخطى حدود الأسرة الواحدة، وتجد الأخ يساند أخاه أمام الأغراب حتى في وقت الخلاف معه، وإن لم يكن للفرد أخ من أمه وأبيه، فإنه يسعى لخلق أخوة من الظروف والمواقف عن طريق بعض الأصدقاء المقربين الذي يضعهم بمنزلة الأخوة، وهذا موضوعنا اليوم حيث أننا سنذكر أفضل باقة من الأشعار التي تحدثت عن الأخوة في صور متعددة.
قال السفاح التغلبي في ذكر الأخوة بغير الدم :
أَبني أَبي سَعدٍ وَأَنتُم أُخوَةٌ
وَعِتابُ بَعد اليَومِ شَيءٌ أَفقَم
هَلّا بِخَيرِكُم كَفَفتُم شَرَّكُم
عَني وَلَم يَهتَك لَكُم بي مَحرَمُ
هَلّا خَشَيتُم أَن أُصادِفَ مِثلَها
مِنكُم فَتَترككم كَمَن لا يَعلَمُ
مَلأوا مِن الأَقطانَتَينِ رَكِيَّةً
مِنّا وَآبوا سالِمين وَغُنِّمُوا
قَتَلوا تَعَنِّيَهً بِظَنَّةِ واحِدٍ
تِلكَ المُعَطُ مِن أسِرَّتِها الدَمُ
فيدى لَكُم رَهنٌ بِيَومٍ مُفسِد
وَبِوَقعَةٍ فيها عِقابٌ صيلَمُ
أبو العلاء المعري متحدثًا عن واجب الأخوة:
إِذا صَاحَبتَ في أَيّامِ بُؤسٍ
فَلا تَنسَ المَوَدَّةَ في الرَخاءِ
وَمَن يُعدِم أَخوهُ عَلى غِناهُ
فَما أَدّى الحَقيقَةَ في الإِخاءِ
وَمَن جَعَلَ السَخاءَ لِأَقرَبيهِ
فَلَيسَ بِعارِفٍ طُرُقَ السَخاءِ
و فراس الحمداني متحدثًا في الصداقة والأخوة:
اِحذَر مُقارَبَةَ اللِئامِ فَإِنَّهُ
يُنبيكَ عَنهُم في الأُمورِ مُجَرِّبُ
قَومٌ إِذا أَيسَرتَ كانوا إِخوَةً
وَإِذا تَرِبتَ تَفَرَّقوا وَتَجَنَّبوا
اِصبِر عَلى ريبِ الزَمانِ فَإِنَّهُ
بِالصَبرِ تُدرِكُ كُلَّ ماتَتَطَلَّبُ
وقال شوقي في الأخوة الكاذبة والصحبة المزيفة:
رأيت قومي يذم بعض
بعضا إذا غابت الوجوه
وإن تلاقوا ففي تصاف
كأن هذا لذا أخوه
كريمهم لا يسُدُّ سمعا
ووغدهم لا يُسدّ فوه
وكلهم عاقل حكيم
وغيره الجاهل السفيه
وذا ابن من مات عن كثير
وذا ابن من قد سما أبوه
وذا بإسلامه مدل
وذا بعصيانه يتيه
وكلهم قائم بمبدا
ومبدأ الكل ضيعوه
فمذ بدا لي أن قد تساوى
في ذلك الغمر والنبيه
وليس من بينهم نزيه
ولا أنا الواحد النزيه
جعلت هذا مرآة هذا
أنظر فيها ولا أفوه
محمد بن ولاد
إذا ما طلبتَ أخا مخلصا
فهيهات منك الذي تطلب
فكن بانفرادك ذا غبطة
فما في زمانك من يُصحب
قال ربيعة بن مقروم
أخوك أخوك من يدنو وترجو
مودته وإن دعي استجابا
إذا حاربتَ حارب من تعادي
وزاد سلاحه منك اقترابا
يؤاسي في الكريهة كل يوم
إذا ما مضلع الحدثان نابا
قال عمر الإنسي :
ورب أخ أصفى لك الدهر وده
ولا أمه أدلت إليك ولا الأب
فعاشر ذوي الألباب واهجر سواهم
فليس بأرباب الجهالة مجنب
واشهر ما قيل عن بن برد في الأخوة :
أخوك الذي لا ينقض الدهر عهده
ولا عندَ صرفِ الدهرِ يزوَرُّ جانبُه
فخذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه
ولا تك في كل الأمور تجانبه
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى
ظمئتَ وأيّ الناس تصفو مشاربه
عبد العزيز الأبرش قال :
استكثرن من الإخوان إنهم
خير لكانزهم كنزا من الذهب
كم من أخ لك لو نابتك نائبة
وجدته لك خيرا من أخ النسب
الشاعر الخزاعي قال :
وليس أخي من ودني بلسانه
ولكن أخي من ودني في النوائب
ومن ماله مالي إذا ما كنتُ معدما
ومالي له إن عض دهر بغارب
فلا تحمدن عند الرخاء مؤاخيا
وبهذا نكون قدمنا نماذج مختلفة لمجموعة شعرية منتقاة من أفضل القصائد الشعرية، لفطاحل الشعراء في عصور مختلفة، تحدث كل منهم بطريقته وشرح وجهة نظر أغلبنا تجاه الصداقة والأخوة، فنرى شوقي ساخرًا من الصحبة الزائفة ويحذرنا من الوقوع في فخ المخادعين الذين يضحكون لنا في الوجه ويطعنوننا في الخلف، والخزاعي قد عبر ببراعة عن مفهوم الأخوة والود فيها يكون بالسند الحقيقي والدعم الشخصي وليس بالكلام فقط، ونتمن يان تقرأ هذه الأشعار وتتمعن فيها وتتخذ منها النصيحة.