إن الحب يصنع من المحب شاعر تفيض كلماته بالرومانسية والحنان، وبطل قصتنا في الأساس شاعر، لاقى الويلات في سبيل محبوبته وفعل الكثير من أجلها، وسرد قصتهم في العديد من القصائد العشرية التي ألفها، هذا الشاعر هو عنترة بن شداد العبسي، الذى خلد التاريخ قصة حبه بعبلة ابنة عمه مالك ابن شداد، فدائما نجد التاريخ يتحدث عن عنترة الفارس المغوار والشاعر المحب وفيما يلى سنذكر قصتهم .
قصة الحب الأسطورية :-
قصة حب عنترة وعبلة من أشهر قصص الحب على مر التاريخ، فحسب ما ورد من المصادر التي تروى هذه القصة أن عنترة كان شجاع قوى البنية، وكان يحب ابنة عمه عبلة حب جنوني، جعله يكتب فيها كثير من الأشعار والقصائد التي عاشت حتى وقتنا هذا، ولكن كان هناك ما يقف دون تحقيق حلم المحب المتيم في الفوز بمحبوبته، وهو أصله ولونه، فعنترة كان اسود اللون من أم حبشية وأبوه كان شداد العبسي، من سادة بنى عبس ولكن حسب العادات آن ذاك، لم يكن لأبناء الإماء الحق في النسب للقبيلة، حتى لا يختلط نسب العبيد بأشراف القبيلة، وكان هذا حال عنترة مع محبوبته عبلة التي عمل أهلها على التفريق بينهما، فقد وصل بعمه الأمر أن اخذ ابنته ورحل من ديار بنى عبس، حتى يكف عنترة عن قول الشعر في عبلة والتغزل بها، لكن رحيل عبلة عن الديار لم يغير من عنترة شيء بل زاد البعد شوقه إليها أكثر، وعبر عن اثر هذا البعد والاشتياق بهذه الأبيات:-
يا طائِرَ البانِ قَد هَيَّجتَ أَشجاني | وَزِدتَني طَرَباً يا طائِرَ البانِ |
إِن كُنتَ تَندُبُ إِلفاً قَد فُجِعتَ بِهِ | فَقَد شَجاكَ الَّذي بِالبَينِ أَشجاني |
زِدني مِنَ النَوحِ وَاِسعِدني عَلى حَزَني | حَتّى تَرى عَجَباً مِن فَيضِ أَجفاني |
وَقِف لِتَنظُرَ ما بي لا تَكُن عَجِل | وَاِحذَر لِنَفسِكَ مِن أَنفاسِ نيراني |
وَطِر لَعَلَّكَ في أَرضِ الحِجازِ تَري | رَكباً عَلى عالِجٍ أَو دونَ نَعمانِ |
يسري بجارية ٍ تنهلُّ أدمعها | شوقاً إلى وطن ناءٍ وجيران |
ناشدتُكَ الله يا طيرَ الحمامِ إذا | رأيتَ يوْماً حُمُولَ القوْمِ فانعاني |
وقلْ طريحاً تركناهُ وقد فنيت | دُموعُهُ وهوَ يبكي بالدَّم القاني |
شرح الأبيات :-
ويقول عنترة هنا، يا طائر البان أن رؤيتك قد هيجت الأحزان لدي وزادتني فوق الحزن حزن، فأنت أيها الطائر إن كنت حزين على رحيل أليفك فأنا أيضاً حزين لنفس السبب، وإن كنت تنوح وتندب حظك، فساعدني وزيد من هذا النواح، وسوف تتعجب من كثرة دموعي التي سوف تشبه في سيلانها الفيضان، واقف حتى تشاهد الذى يحدث إلى ولا تتعجل في الرحيل، ولكن كن حذر من الوقوف بالقرب منى حتى لا تتأذى من نيران أنفاسي، وبعد أن تشاهد كل هذا أذهب وطر إلى أرض الحجاز، فربما تلمح ركب المحبوبة، وستعرفها لأنك ستراها هي الأخرى تبكى شوقاً الحى وجيرانه بعد أن تركتهم، واستحلفك بالله أن تبلغ محبوبتي بحالتي إذا رأيت ركب قومها، وقل لها أنك قد تركتني طريح الفراش بعد أن بكيت بدمى حتى انتهيت.
مصير قصة الحب:-
ولأن عنترة كان يعلم أن عبلة هي ابنة عمه، وكان يرغب في الزواج منها حاول أن يجعل أبيه يعترف به، حتى يصبح من سادة بنى عبس ويستطيع الزواج من ابنة عمه، ولأن هذا كان صعب بحكم العادات في ذلك الوقت التي كانت تمنع الاعتراف بأبناء الإماء، إلا إذا قام العبد بفعل مشرف أو ظهر نبوغا معينا، وهذا ما حدث مع عنترة فقد قام بإنقاذ بنى عبس من الهزيمة، في إحدى الغزوات وانقذ ساداتها من الأسر، مما اجبر القبيلة على الاعتراف ببنوة عنترة لأبيه شداد، ولكن كل هذا لم يغير من موقف والد عبلة في شيء ورفض بان يزوجها من عنترة، ويقال أنه عندما تقدم إليه عنترة لم يرفض مباشرة، ولكن طلب منه مهر الف ناقة من ناقات الملك النعمان تسمى بالنوق العصافير، وكان هذا طلب تعجيزي حتى لا يستطيع تحقيقه، لكن عنترة ضحى بنفسه من اجل إحضار مهر محبوبته، وظل أبيها يماطل في الزواج حتى تزوجت عبلة بفارس أخر وظل عنترة يعانى من البعد والفراق الذى فرض عليه وعاش ينشد الشعر في عبلة حتى بعد زواجها .