ما أجمل الشعر العربي الفصيح الذي يأخذ الألباب ويجعل العقول في لذة عقلية كبيرة، حيث إن العرب قد اشتهروا من قديم الزمان بهذا الأمر وبهذه الأشعار التي تعاقب عليها المئات والألوف من الشعراء الفطاحل الكبار الذي صنعوا نظمًا شعريًّا عجز العالم كله أن يأتي بمثله، فالعرب لهم مكانة خاصة في هذا الباب من الأبواب، وهو باب اللغة والأشعار.
ونحن في هذا الموضوع أشعار عن الشوق والحنين بالفصحى، نتعرض إلى باب من أبواب الشعر حول الاشتياق والحنين، فقد برع الكثير من الشعراء قديمًا وحديثًا في التعبير عن لوعة ما يجدون في قلوبهم من شوق وحنين سواء للمحبوبة أو للوطن أو للصديق أو لغيره من مآرب الشاعر ذاته والتي يعبر عنها بأسلوب أدبي رفيع عالٍ.
قصيدة البحتري في الشوق:
شَوْقٌ إلَيكِ، تَفيضُ منهُ الأدمُعُ، وَجَوًى عَلَيكِ، تَضِيقُ منهُ الأضلعُ
وَهَوًى تُجَدّدُهُ اللّيَالي، كُلّمَا قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ، فيرْجعُ
إنّي، وما قَصَدَ الحَجيجُ، وَدونَهم خَرْقٌ تَخُبُّ بها الرّكابُ، وتُوضِعُ
أُصْفيكِ أقصَى الوُدّ، غَيرَ مُقَلِّلٍ، إنْ كانَ أقصَى الوُدّ عندَكِ يَنفَعُ
وأرَاكِ أحْسَنَ مَنْ أرَاهُ، وإنْ بَدا مِنكِ الصّدُودُ، وبَانَ وَصْلُكِ أجمعُ
يَعتَادُني طَرَبي إلَيكِ، فَيَغْتَلي وَجْدي، وَيَدعوني هَوَاكِ، فأتْبَعُ
كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعٌ، وَيَسُرُّني أنّي امْرُؤٌ كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعُ
شَرَفاً بَني العَبّاسِ، إنّ أبَاكُمُ عَمُّ النّبيّ، وَعِيصُهُ المُتَفَرّعُ
إنّ الفَضِيلَةَ للّذي اسْتَسقَى بهِ عُمَرٌ، وَشُفّعَ، إذْ غَدا يُستَشفَعُ
وَأرَى الخِلاَفَةَ، وَهيَ أعظَمُ رُتبَةٍ، حَقّاً لَكُمْ، وَوِرَاثَةً مَا تُنزَعُ
أعْطاكُمُوها الله عَنْ عِلْمٍ بِكُمْ، والله يُعْطي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ
مَنْ ذَا يُسَاجِلُكمْ، وَحَوْضُ مُحَمّدٍ بِسِقَايَةِ العَبّاسِ فيكُمْ يَشفَعُ
مَلِكٌ رِضَاهُ رِضا المُلُوكِ، وَسُخطُه حَتْفُ العِدى، وَرَداهُمُ المُتَوَقَّعُ
مُتَكَرِّمٌ، مُتَوَرّعٌ عِنْ كُلّ مَا يَتَجَنّبُ المُتَكَرّمُ المُتَوَرّعُ
يا أيّهَا المَلِكُ الذي سَقَتِ الوَرَى، مِنْ رَاحَتَيِهِ، غَمَامَةٌ ما تُقلِعُ
يَهْنِيكَ في المُتَوَكّلِيّةِ أنّهَا حَسُنَ المَصِيفُ بها، وَطَابَ المَرْبَعُ
فَيْحَاءُ مُشْرِقَةٌ يَرِقُّ نَسيمُهَا مِيثٌ تُدَرّجُهَُ الرّياحُ وأجْرَعُ
وَفَسيحَةُ الأكْنَافِ ضَاعَفَ حُسنَها بَرٌّ لَهَا مُفْضًى، وَبَحْرٌ مُتْرَعُ
قَدْ سُرّ فيها الأوْلِيَاءُ، إذِ التَقَوْا بِفِنَاءِ مِنْبَرِهَا الجَديدِ، فَجُمّعُوا
فَارْفَعْ بدارِ الضّرْبِ باقيَ ذِكْرِها، إنّ الرّفيعَ مَحَلُّهُ مَنْ تَرْفَعُ
هَلْ يَجْلُبَنّ إليّ عَطْفَكَ مَوْقِفٌ ثَبْتٌ لَدَيكَ، أقُولُ فيهِ وَتَسْمَعُ
مَا زَالَ لي مِنْ حُسنِ رَأيِكَ مُوْئلٌ آوِي إلَيهِ، مِنَ الخُطُوبِ، وَمَفزَعُ
فَعَلاَمَ أنكَرْتَ الصّديقَ، وأقبَلَتْ نَحوِي رِكابُ الكَاشِحِينَ تَطَلَّعُ
وَأقَامَ يَطْمَعُ في تَهَضّمِ جَانِبي مَن لم يكُنْ، من قَبلُ، فيهِ يَطمَعُ
إلاّ يَكُنْ ذَنْبٌ، فعَدْلُكَ وَاسعٌ، أوْ كَانَ لي ذَنْبٌ، فَعَفْوُكَ أوْسَعُ
انظر أيضًا: أبيات شعر عن الشوق
قصيدة علي بن سالم في الشوق:
يا شوق قلب يشيل الحب وشلونه عساه بعده على علمي ويطريني
خايف تكون الليالي شدت ضعونه وأقفى ولا عاد يذكر ماضي سنيني
تسأل عن الحب وانت الحب وشجونه تدري غرامك سكن داخل شراييني
قطرات دمي بطعم الحب مشحونه ان قلت بسكت عزايمها تناديني
يا شوق ياللي بنيت ابيات موزونه بنشدك عن ثقل حبي في الموازيني
ما يكفي اني حبيب وقلبك يصونه ودي تعبر عن حدود الغلا فيني
والله يا من يحط الكحل بعيونه ما شافت حدود حبك في الغلا عيني
لاجلك شمولية الوزان مطعونه منها تسيل البحور ولا تكفيني
انظر أيضًا: شعر في الشوق
أبيات متنوعة في الشوق والحنين:
أحمد شوقي:
البُعدُ أَدْنَانِي إِلَيكَ فَهَل تُرى تَقْسُو وَتَنفُرُ أَمْ تَلِينُ وَتَرفُقُ
فِي جَاهِ حُسنِكَ ذِلَّتي وَضَراعَتي فَاِعطِف فَذاكَ بِجاهِ حُسنِكَ أَليَقُ
محمود سامي البارودي:
وكيفَ يَعِي سِرَّ الهوى غَيرُ أهلِهِ وَيَعْرِفُ مَعْنَى الشَّوْقِ مَنْ لَمْ يُفَارِقِ
لَعَمرُ الهوَى إنِّى لَدُن شَفَّنِى النَوىلَفِي وَلَهٍ من سورةِ الوَجدِ ماحِقِ
كَفى بِمُقامِي في “سَرنديبَ ” غُربةًنَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلاَئِقِ
انظر أيضًا: أجمل شعر عن الحب
كان هذا ختام موضوعنا حول أشعار عن الشوق والحنين بالفصحى، قدمنا خلال هذه المقالة باقة متنوعة ما بين قصائد طويلة للبحتري وعلي بن وسالم وبين مقتطفات للشاعرين الجليلين الكبيرين محمود سامي البارودي وأحمد شوقي، وكما يجد القارئ الكريم، فهذا من أعلى الشعر وأحلاه وأجمله، تجمله العربية الفصيحة الجميلة التي لا يوجد مثلها بين اللغات، تجد الشاعر يعبر عن مكنون شوقه وحبه ولوعته وجمال حنينه إلى ما يريده وما يشتاق إليه، فكأنه يعبر عن خلجات نفس الإنسان وما يعتري الإنسان من شوق وحنين إلى وطنه أو محبوبه أو ما يريد أن يشير إليه الشاعر من أمور أخرى.