لكل إنسان أسلوب خاص به في التعبير عن حبه، ولم يشغل الإنسان عن الحب أي قضية أخرى، بل العكس يكون الحب دافع قوى كي يدفع الإنسان للاستمرار في الدفاع عن قضيته، وهذا حال شاعر قصيدتنا اليوم، شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش.
نبذه عن الشاعر:-
هو محمود درويش من أبرز الشعراء المعاصرين وواحد من أهم شعراء المقاومة الفلسطينية، ولد عام 1942 ولجأ إلى لبنان في عام 1948 وعاش بها لمدة سنة واحدة، وعاد بعدها إلى فلسطين موطنه متسللاً، اعتقل أكثر من مرة بسبب أفعاله ضد الاحتلال وبسبب انضمامه إلى الحزب الشيوعي، جاء إلى مصر فترة من الزمن وعاد إلى لبنان مرة أخرى، وظل يتنقل فيها بين الجرائد، وبعدها عاش بباريس فتره، حتى عاد إلى وطنه بسبب تعب والدته، التي عاد ليزورها ومكث في وطنه بعد التدخل بالتصريح له بالبقاء فيه.
قصيدة قصائد عن حب قديم:
-1-
على الأنقاض وردتُنا
ووجهانا على الرملِ
إذا مرّتْ رياحُ الصيفِ
أشرعنا المناديلا
على مهل.. على مهلِ
و غبنا طيَّ أغنيتين، كالأسرى
نراوغ قطرة الطّل
تعالي مرة في البال
يا أُختاه!
إن أواخر الليلِ
تعرّيني من الألوان و الظلّ
و تحميني من الذل!
و في عينيك، يا قمري القديم
يشدُّني أصلي
إلى إغفاءةٍ زرقاء
تحت الشمس.. و النخلِ
بعيداً عن دجى المنفى..
قريبا من حمى أهلي
-2-
تشهّيتُ الطفوله فيكِ.
مذ طارت عصافيرُ الربيعِ
تجرّدَ الشجرُ
وصوتك كان، يا ماكان،
يأتيني
من الآبار أحياناً
و أحياناً ينقِّطه لي المطُر
نقيا هكذا كالنارِ
كالأشجار.. كالأشعار ينهمرُ
تعالي
كان في عينيك شيء أشتهيهِ
و كنتُ أنتظرُ
و شدّيني إلى زنديكِ
شديني أسيراً
منك يغتفُر
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الربيع
تجرّد الشجرُّ!
-3-
..و نعبر في الطريق
مكبَّلين..
كأننا أسرى
يدي، لم أدر، أم يدُكِ
احتست وجعاً
من الأخرى؟
و لم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك..
سروة الذكرى
كأنّا عابرا دربٍ ،
ككلّ الناس ،
إن نظرا
فلا شوقاً
و لا ندماً
و لا شزرا
و نغطس في الزحام
لنشتري أشياءنا الصغرى
و لم نترك لليلتنا
رماداً.. يذكر الجمرا
وشيء في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك
ترمّد الذكرى
-4-
ترجّلَ، مرةً، كوكب
و سار على أناملنا
و لم يتعبْ
و حين رشفتُ عن شفتيك
ماء التوت
أقبل، عندها، يشربْ
و حين كتبتُ عن عينيك
نقّط كل ما أكتب
و شاركنا و سادتنا..
و قهوتنا
و حين ذهبتِ ..
لم يذهب
لعلي صرت منسياً
لديك
كغيمة في الريح
نازلة إلى المغربْ..
و لكني إذا حاولتُ
أن أنساك..
حطّ على يدي كوكبْ
-5-
لك المجدُ
تجنّحَ في خيالي
من صداك..
السجنُ، و القيدُ
أراك ،استندتُ
إلى وسادٍ
مهرةً.. تعدو
أحسكِ في ليالي البرد
شمساً
في دمي تشدو
أسميك الطفوله
يشرئبّ أمامي النهدُ
أسميكِ الربيع
فتشمخ الأعشاب و الوردُ
أسميك السماء
فتشمت الأمطار و الرعدُ
لك المجدُ
فليس لفرحتي بتحيُّري
حدُّ
و ليس لموعدي وعدُ
لك.. المجدُ
-6-
و أدركَنا المساءُ..
و كانت الشمسُ
تسرّح شعرها في البحرْ
و آخر قبلة ترسو
على عينيّ مثل الجمرْ
_خذي مني الرياح
و قّبليني
لآخر مرة في العمر
..و أدركها الصباحُ
و كانت الشمسُ
تمشط شعرها في الشرقْ
لها الحنّاء و العرسُ
و تذكرة لقصر الرق
خذي مني الأغاني
و اذكريني..
كلمحْ البرقْ
و أدركني المساء
و كانت الأجراسْ
تدق لموكب المسبية الحسناءْ
و قلبي بارد كالماسْ
و أحلامي صناديقٌ على الميناء
خذي مني الربيع
وودّعيني….
هذه القصيدة من أفضل قصائد محمود درويش الرومانسية حيث أنه من أفضل الشعراء المعاصرين، استطاع التعبير بسلاسة عن المشاعر البريئة للحبيب، وعن رغبته في البقاء إلى جوار محبوبته، عرف عن محمود درويش استخدامه للرمزية في أشعاره، ويعتبر واحد من أهم المجددين في القصيدة العربية، حيث أن محمود درويش كتب أروع القصائد الرومانسية النثرية، من بينهم القصيدة التي نحن بصددها الأن وقصائد أخرى مثل قصيدة أبيات غزل وقصيدة كأنني أحبك، ويلاحظ في شعر محمود درويش حنينه الدائم إلى وطنه، فدائماً ما يستغل الفرصة حتى يكتب عن وطنه الذي لم ينساه رغم العيش بعيداً عنه