محتوي الموضوع
سورة النصر هي من السور المدنية التي نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد اختُلِف في وقت نزولها، فقيل سنة سبع من الهجرة وقيل سنة تسع من الهجرة، وعدد آيات سورة النصر ثلاث آيات وهي تساوي سورة الكوثر في عدد آياتها، غير أنها أطول من سورة الكوثر ببعض كلمات، وهي أقصر من سورة العصر، وفي الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة في حديث طعن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فصلى عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة بأقصر سورتين في القرآن: {إنا أعطيناك الكوثر} و{إذا جاء نصر الله والفتح}.
ونحن في هذا الموضوع سورة النصر من واقع تفسير ابن جرير الطبري، نتعرض إلى بعض ما جاء في تفسير ابن جرير الطبري حول سورة النصر، وننقل الكلام بتصرف يسير وبعض التغيير البسيط في ترتيب الفقرات.
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}:
يبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءه نصر الله تعالى على قومه من قريش الذين ظلموه وأخرجوه هو ومن آمن به من ديارهم، {والفتح} هنا يعني فتح مكة، {ورأيت الناس} وهم صنوف العرب وقبائل العرب وقبائل نزار، هؤلاء الأقوام يدخلون في دين الله تعالى أفواجًا، يدخلون زُمرًا زُمرًا وأفواجًا أفواجًا في دين الحق، في دين الله تعالى الذي أرسلك به وابتعثك بأمانته لتبلغها للناس كافة عربهم وعجمهم.
ثم ينقل ابن جرير الطبري من وافقه في تأويله هذا ويسوق الأسانيد والروايات التي تؤيد ما ذهب إليه، ومن ذلك ما سنذكره ببعض التصرف والاختصار إن شاء الله تعالى، وهو ما يأتي:
عن مجاهد في قول الله: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) : فتح مكة .
وقال ابن زيد في قول الله : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) النصر حين فتح الله عليه ونصره.
وعن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، إذ قال: ” اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ، جاءَ أهْلُ اليَمَنِ”، قيل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: ” قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنةٌ طِبَاعُهُمْ، الإيمَانُ يَمَانٍ، والفِقْهُ يَمَانٍ، والحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ” .
انظر أيضًا: أدعية القرآن الكريم
إكثار الرسول من قول : سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه:
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه; قالت: فقلت: يا رسول الله أراك تُكثر قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، فقال: ” خَبَّرَنِي رَبِّي أنّي سأرَى عَلامَةً فِي أمَّتِي، فإذَا رَأَيْتُهَا أكْثَرْتُ مِنْ قَوْل سُبْحَانَ الله وبحَمْدِهِ، وأسْتَغْفِرُهُ وأتُوبُ إلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُها (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) فتح مكة ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) ” .
وعن مسروق، قال: قالت عائشة: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أنـزلت عليه هذه السورة ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) لا يقول قبلها: ” سبحانك ربنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي” .
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : ” سبحانك اللهم وبحمدك، اللهمّ اغفر لي”، يتأول القرآن .
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: ” سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه “، فقلت: إنك تُكثر من هذا، فقال: ” إنَّ رَبي قَدْ أخْبَرَنِي أنِّي سأرَى عَلامةً في أُمَّتِي، وأَمَرَنِي إذَا رأَيْتُ تِلكَ الْعَلامَةَ أنْ أُسَبِّحَ بِحَمْدِهِ، وأسْتَغْفِرَهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابا، فَقَدْ رأَيْتُها( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ” .
وعن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: ” سبحان الله وبحمده “، فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده، قال: ” إني أمرت بها “، فقال: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر السورة .
ولما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) كان النبيّ صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول: ” سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفر لي وتب عليّ، إنك أنت التوّاب الرحيم ” .
وعن عائشة، قالت: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده ثم ذكر نحوه.
وعن عكرمة قال : لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ” جَاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ، وَجَاءَ أهْلُ اليَمَنِ”، قالوا: يا نبيّ الله، وما أهل اليمن؟ قال: ” رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، الإيمَانُ يَمَانٍ، والْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ” . وأما قوله;( أَفْوَاجًا ) فقد تقدّم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل.
وعن مجاهد ( فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) قال: زُمرًا زُمرًا .
انظر أيضًا: فضل بعض سور القرآن
قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}:
أي سبِّح الله تعالى وعظِّمه بأن تحمده وتشكره على ما أنجز لك من وعده سبحانه وتعالى.
سورة النصر تنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سألهم عن قول الله تعالى: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قالوا: فتح المدائن والقصور، قال: فأنت يا ابن عباس ما تقول: قلت: مَثَلٌ ضُرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت إليه نفسه .
وعن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُدنيه، فقال له عبد الرحمن: إن لنا أبناءً مثلَهُ، فقال عمر: إنه من حيث تعلم، قال: فسأله عمر عن قول الله: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) السورة، فقال ابن عباس: أجله، أعلمه الله إياه، فقال عمر: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم .
وعن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: ما هي؟ يعني ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال ابن عباس،( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) حتى بلغ: ( وَاسْتَغْفِرْهُ ) إنك ميت ( إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) فقال عمر : ما نعلم منها إلا ما قلت .
وعن ابن عباس، قال: لما نـزلت ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نُعِيَتْ إليَّ نَفْسِي، كأنّي مَقْبُوضٌ فِي تِلكَ السَّنَةِ” .
وعن عطاء بن يسار، قال: نـزلت سورة ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) كلها بالمدينة بعد فتح مكة، ودخول الناس في الدين، ينعي إليه نفسه .
وعن أبي العالية، قال : لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ونعيت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه، كان لا يقوم من مجلس يجلس فيه حتى يقول: ” سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ” .
وعن ابن عباس، في قوله: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال: ذاك حين نَعَى لَه نفسه يقول: إذا( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) يعني إسلام الناس، يقول: فذاك حين حضر أجلك ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) .
وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول قبل أن يموت: ” سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك “; قالت: فقلت : يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك قد أحدثتها تقولها؟ قال: ” قد جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر السورة “.
الفترة التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول السورة:
قال ابن عباس: هذه السورة عَلَمٌ وحَدٌّ حدّه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونعى له نفسه. أي إنك لن تعيش بعدها إلا قليلا. قال قتادة: والله ما عاش، بعد ذلك إلا قليلا سنتين، ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
عن ابن مسعود، قال: لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) كان يكثر أن يقول: ” سبحانك اللهمّ وبحمدك، اللهمّ اغفر لي، سبحانك ربنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي، إنك أنت التواب الغفور ” .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) قال: اعلم أنك ستموت عند ذلك.
انظر أيضًا: أسئلة من القرآن
كان هذا ختام موضوعنا حول سورة النصر من واقع تفسير ابن جرير الطبري، قدمنا خلال هذه المقالة بعض ما جاء في تفسير ابن جرير الطبري المفسر المشهور للقرآن الكريم، وقد نقلنا تلك الكلمات والعبارات والأحاديث من تفسيره مع بعض التصرف اليسير جدًّا في ترتيب الكلام حتى يمكن للقارئ أن ينتبه إليه بسهولة إن شاء الله تعالى، وسورة النصر هي من أعظم السور في القرآن الكريم، وقد جاءت لنعي النبي صلى الله عليه وسلم، تنعى إليه نفسه الشريفة صلوات ربي وتسليماته عليه.