إن الأب هو السند الحقيقي وعمود البيت، فإن كانت الأم تربي وتعطي الحنان، فالأب يؤدب ويعطي الأمان للأم وللأبناء، فالأب هو الحبيب الأول في حياة كل فتاة، وهو صورة لفارس الأحلام الذى تظل تبحث عمن بشبه بين الرجال فيما بعد، وهو المثل الأعلى الذي يقتدى به الأبناء، وبحزم الأب تستقيم أمور من في البيت، حيث يوجهه ويعلم، وما أن يموت الأب حتى تشعر النفس بكسرة ما بعدها كسرة، وتشعر وقتها وكأنك تحيا بمنزل بلا سقف، وهذا الشعور يعرفه جيداً من توفى والده، وعبر عنه ببراعة وبساطة في آن واحد الشاعر عمرو حسن في قصيدته أبويا واحشني جداً، عمرو حسن واحد من أبرز الشعراء الشباب الموجودين علي الساحة الأدبية حالياً، فهو نال جائزة أحمد فؤاد نجم في الشعر، ويحرص على المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام بديوان جديد، وقدم عدد كبير من القصائد التي حظيت بنجاح كبير وانتشار واسع بين الشباب على السوشيال ميديا، وقصيدته التي سنتحدث عنها في السطور القادمة، قامت بغنائها الفنانة بلقيس وإليكم كلمات القصيدة.
كلمات قصيدة أبويا واحشني جداً:-
أﻧﺎ أﺑﻮﻳﺎ ﻭﺍﺣﺸﻨﻲ ﺟﺪﺍً
ﻣﺤﺘﺎﺝ ﺭﺃﻳﻪ ﻑ ﺣﺎﺟﺎﺕ
ﺃﻫﻤﻞ ﻑ ﺳﺆﺍﻟﻪ ﻋﻨﻲ
ﻭﻣﺎﺟﺎﺵ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻣﺎﻣﺎﺕ
ﻧﻀﺎﺭﺗﻪ ﻭﺳﺎﻋﺘﻪ ﻟﺴﻪ
ﻉ ﺍﻟﺮﻑ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺎﺳﺎﺑﻬﻢ
ﻭﻫﺪﻭﻣﻪ ﺟﻮﻩ ﻛﻴﺴﻬﻢ
ﻭﺟُﺪﺍﺩ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻣﺎﺟﺎﺑﻬﻢ
ﻧﻔﺴﻲ ﺍﺗﻜﻠﻢ ﻣﻌﺎﻩ
ﻭﺍﺣﻜﻴﻠﻪ ﻉ ﺍﻟﻠﻲ ﺗﻢ
ﻭﻫﺎﻗﻮﻟﻪ ﻣﻴﻦ ﻑ ﻣﺮﺿﻪ
ﺯﺍﺭﻩ ﻭﻧﻘﻞ ﻟﻪ ﺩﻡ
ﻭﻫﺎﻗﻮﻟﻪ ﺍﻧﻲ ﺍﺳﻒ
ﻋﻠﺸﺎﻥ ﺧﺒﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺍﺣﻠﻔﻠﻪ ﺑأﻧﻲ ﻧﻔﺴﻲ
ﻟﻮ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻤﺲ ﺍﻳﺪﻳﻪ
ﻭأﻋﻤﻠﻪ ﺷﺎﻱ ﺧﻔﻴﻒ
ﻭأﻗﺴﻢ ﻭﻳﺎﻩ ﺭﻏﻴﻒ
ﻛأﻥ ﺟﺒﻨﻪ ﺑﻘﻮﻃﺔ ﺑﺎﻳﻦ
أﻭ ﻳﻤﻜﻦ ﺟﺒﻨﺔ ﺑﺲ
أﻧﺎ ﻋﺎﺭﻑ ﺍﻧﻪ ﺳﺎﻣﻊ
ﻣﺘﺄﻛﺪ أﻧﻪ ﺣﺲ
ﻣﺎﻫﻮ ﺑﺮﺿﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻻﻳﻤﻜﻦ
ﻳﻘﺘﻞ ﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺷﻌﻮﺭﻫﺎ
ﻭﻣﺎﻓﻴﺶ ﻑ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺷﺠﺮﺓ
ﺗﻘﻄﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ
ﻭﻣﺎﻓﻴﺶ ﻑ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺍﺣﻞ
إﻻ ﻭﺳﺎﻳﺐ ﻭﺭﺍﻩ
ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺻﻠﺒﻪ ﺷﺒﻬﻪ
ﻳﺪﻋﻴﻠﻪ ﻑ ﺍﻟﺼﻼﻩ
أﻧﺎ أﺑﻮﻳﺎً ﻭﺍﺣﺸﻨﻲ ﺟﺪﺍً
ﻭﺣﺸﺎﻧﻲ ﻣﻌﺎﻩ ﺣﺎﺟﺎﺕ
ﺑﻄﻠﺖ أﻋﻤﻠﻬﺎ ﻭﺣﺪﻱ
ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻤﺎ ﻣﺎت
شرح القصيدة:-
يعبر الشاعر عن المشاعر التي تختلج نفس الابن عند وفاة والده، فحتى أخر لحظة لا يصدق المرء حقيقة وفاة ذاك الجدار الذي يحميه ويصد عنه كل متاعب الحياة، فيعتقد أن أمور المرض وما تبعه من عزاء وصريخ ما هو إلا مشهد لحظي، سينتهي حتماً ويظهر الأب من جديد ويقوم الأبن برواية كل ما حدث له بداية من مرضه وما تبعه من زيارات الأقارب، حتى سيخربه عن أولئك الذين تخلفوا عن الحضور، ويبدئ الشاعر في قصيدته بإخبارنا عن مدى وحشته لوالده وأنه يفتقد رأيه في أمور هامة في حياته، ويقول أن والد أهمل في سؤاله عنه من وقت أن توفى، ويكمل متحدثاً عن ساعة والده التي في مكانها طوال الوقت وملابسه الجديدة لا تزال على وضعها من وقت أن تم شراؤها، وكأنه يحتفظ بكل شيء كما هو حتى يعود أبيه ويستخدمه كما اعتاد منه، ثم يرجع بنا الشاعر إلى الواقع ويخبرنا أن المتوفي يشعر بالأحياء ويحس بهم، فيقول أنه يتمنى أن يخبر والده عن اسفه لأنه أخفى عنه بعض الأمور، ويتحدث بحسرة عن أمنيته في عودة والده حتى يلمس يده ويقبلها ويقتسم مع الطعام كما اعتاد، وأنه يشتاق لشرب الشاي معه الذي كان يحبه والده خفيف، وانه سوف يعمله بنفسه، ولكن هيهات أن يعود من مات، فيعود للواقع مرة أخرى، ويؤكد على أنه الأبن الصالح الذي يدعو لوالده دوماً، وأنه لن ينساه ومازال يشتاق لمشاركته في أشياء كإنو يقومون بها سوياً.
وهذه القصيدة تعتبر من أكثر القصائد التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وعبرت بسلاسة غير مسبوقة وبعمق صادق، عما يخلفه رحيل الأب في النفس، وعما يشعر به من رحل عنه والده، وتقدم درساً لمن أعتاد على التدلل زائد الحد على والديه، وأن يغيب عنهم لفترات طويلة، ويكون هذا الغياب إما لأمور تتعلق بالعمل أو تقضية الأوقات مع الأصدقاء في الخروج والفسح، ورؤية الأب والأم كأنهما ضيوف تقيم نقيم معهم في منزل واحد نراهم صدفة، وهذه آفة أصابت أغلبنا، ولن نشعر بالندم على كل لحظة أمضيناها بعيداً عنهم إلا بعد فقدانهم، فاللهم أحفظ والدينا وارزقنا برهم، وأجعلنا لهم عوناً كما هم لنا سندًا.