محتوي الموضوع
ما اسهل أن ينطلق شعر الحب الرومانسي و العبارات الغزلية التي توقد قلب المحبين نارا من لسان شاعر من فطاحل اللغة العربية، هذا الشاعر هو أبو نواس له قصائد غزلية جميلة، تصلح لكل زمان فهي ليست كبعض القصائد التي تكون فيها اللغة جامدة وتحتاج إلى تفسير، فقصائد أبو نواس تتميز بسلاسة اللغة ووضوح الصورة وهذا ما سنستعرضه من خلال تناولنا لبعض من قصائده.
نبذة عن الشاعر :-
أبو نواس هو من أشهر شعراء العراق، ولد في خوزستان ونشأ في بالبصرة ، وانتقل إلى بغداد وتقرب من الحكام العباسيين ومدحهم، وانتقل إلى بعدها إلى دمشق وبعدها إلى مصر وتقرب من حاكمها الخصيب ومدحه، وعاد في بعد ترحاله إلى بغداد ومكث بها حتى وافته المنية.
إحدى قصائد الغزل الرقيق لأبى نواس:-
أَضرَمتَ نارَ الحُبِّ في قَلبي
ثُمَّ تَبَرَّأتَ مِنَ الذَنبِ
حَتّى إِذا لَجَّجتُ بَحرَ الهَوى
وَطَمَّتِ الأَمواجِ في قَلبي
أَفشَيتُ سِرّي وَتَناسيتَني
ما هكذا الإِنصافُ يا حِبّي
هَبنِيَ لا أَسطيعُ دَفعَ الهَوى
عَنّي أَما تَخشى مِنَ الرَبِّ
وَفاتِنٍ بِالنَظَرِ الرَطبِ
يَضحَكُ عَن ذي أَشَرٍ عَذبِ
خالَيتُهُ في مَجلِسٍ لَم يَكُن
ثالِثُنا فيهِ سِوى الرَبِّ
فَقالَ لي وَالكَفُّ في كَفِّهِ
بَعدَ التَجَنّي مِنهُ وَالعَتبِ
تُحِبُّني قُلتُ مُجيباً لَهُ
وَفَوقَ ما تَرجو مِنَ الحُبِّ
قالَ فَتَصبو قُلتُ يا سَيِّدي
وَأَيُّ شَيءٍ فيكَ لا يُصبي
قالَ اِتَّقِ اللَهَ وَدَع ذا الهَوى
فَقُلتُ إِن طاوَعَني قَلبي
*********
قصيدة عن الحب وأحواله لأبي نواس:-
في الحُبِّ رَوعاتٌ وَتَعذيبُ
وَفيهِ يا قَومُ الأَعاجيبُ
مَن لَم يَذُق حُبّاً فَإِنّي امرُؤ
عِندي مِنَ الحُبِّ تَجاريبُ
عَلامَةُ العاشِقِ في وَجهِهِ
هَذا أَسيرُ الحُبِّ مَكتوبُ
وَلِلهَوى فِيَّ صَيودٌ عَلى
مَدرَجَةِ العُشّاقِ مَنصوبُ
حَتّى إِذا مَرَّ مُحِبٌّ بِهِ
وَالحَينُ لِلإِنسانِ مَجلوبُ
قالَ لَهُ وَالعَينُ طَمّاحَةٌ
يَلهو بِهِ وَالصَبرُ مَغلوبُ
لَيسَ لَهُ عَيبٌ سِوى طيبِهِ
وَبِأَبي مَن عَيبُهُ الطيبُ
يَسُبُّ عِرضي وَأَقي عِرضَهُ
كَذالِكَ المَحبوبُ مَسبوبُ
أَصبَحَ قَلبي بِهِ نُدوبُ
أَندَبَهُ الشادِنُ الرَبيبُ
تَمادِياً مِنهُ في التَصابي
وَقَد عَلا رَأسِيَ المَشيبُ
أَظُنُّني ذائِقاً حِمامي
وَأَنَّ إِلمامَهُ قَريبُ
إِذا فُؤادٌ شَجاهُ حُبٌّ
فَقَلَّما يَنفَعُ الطَبيبُ
قصيدة من الغزل الصريح لأبي نواس:-
سَأَلتُها قُبلَةً فَفِزتُ بِها
بَعدَ اِمتِناعٍ وَشِدَّةِ التَعَبِ
فَقُلتُ بِاللَهِ يا مُعَذِّبَتي
جودي بِأُخرى أَقضي بِها أَرَبي
فَاِبتَسَمَت ثُمَّ أَرسَلَت مَثَلاً
يَعرِفُهُ العُجمُ لَيسَ بِالكَذِبِ
لا تُعطِيَنَّ الصَبِيَّ واحِدَةً
يَطلُبُ أُخرى بِأَعنَفِ الطَلَبِ
قصيدة أخري من الغزل الصريح:-
قُل لِذي الطَرفِ الخَلوبِ
وَلِذي الوَجهِ الغَضوبِ
وَلِمَن يَثني إِلَيهِ
الـحُسنُ أَعناقَ القُلوبِ
يا قَضيبَ البانِ يَهتَز
زُ عَلى دِعصِ كَثيبِ
قَد رَضينا بِسَلامٍ
أَو كَلامٍ مِن قَريبِ
فَبِروحِ القُدسِ عيسى
وَبِتَعظيمِ الصَليبِ
قِف إِذا جِئتَ إِلَينا
ثُمَّ سَلِّم يا حَبيبي
قصيدة لأبى نواس عن الاشتياق
الجِسمُ مِنّي سَقيمٌ شَفَّهُ النَصَبُ
وَالقَلبُ ذو لَوعَةٍ كَالنارِ تَلتَهِبُ
إِنّي هَويتُ حَبيباً لَستُ أَذكُرُهُ
إِلّا تَبادَرَ ماءُ العَينِ يَنسَكِبُ
البَدرُ صورَتُهُ وَالشَمسُ جَبهَتُهُ
وَلِلغَزالَةِ مِنهُ العَينُ وَاللَبَبُ
مُزَنَّرٌ يَتَمَشى نَحوَ بيعَتِهِ
إِلَهُهُ الإِبنُ فيما قالَ وَالصُلُبُ
يا لَيتَني القَسُّ أَو مُطرانُ بيعَتِهِ
أَو لَتَني عِندَهُ الإِنجيلُ وَالكُتُبُ
أَو لَيتَني كُنتُ قُرباناً يُقَرِّبُهُ
أَو كَأسَ خَمرَتِهِ أَو لَيتَني الحَبَبُ
كَيما أَفوزَ بِقُربٍ مِنهُ يَنفَعُني
وَيَنجِلي سَقَمي وَالبَثُّ وَالكَرَبُ
وبعد أن استعرضنا خمس قصائد من قصائد أبو نواس في الشعر الرومانسي تتنوع بين الغزل العفيف والغزل الصريح، ورأينا كيف أن تعبيراته وألفاظه بسيطة ولا تحتاج إلى تفسير وفي نفس الوقت تعطى المعنى بكل وضوح وهذا ما جعله من أقدر شعراء زمانه، وأبو نواس أول من ألبس القصيدة العربية الثوب الحضري، وخلع عنها لباسها البدوي، وقام أبو نواس بنظم جميع أنواع الشعر، وبراعة أبو نواس دلل عليها الكثيرون مثل:-
قول الجاحظ: ( ما رأيت رجل أعلم باللغة ولا أفصح لهجة من أبي نواس).
قول أبو عبيدة: (كان أبو نواس للمحدثين كأمرؤ القيس للمتقدمين).
قول كلثوم العتابي: (لو أدرك أبو نواس الجاهلية ما فضل عليه أحد).
قول الإمام الشافعي: (لولا مجون أبي نواس لأخذت عنه العلم).
فإذا كانت تلك أراء أعلام وفقهاء مثلهم لنا أن نتخيل منزلة ذلك الرجل في اللغة وقدره بين شعراء زمانه، وبسبب أسلوب أبو نواس الفريد والسلس جعل قصائده تصلح للمحبين في كل وقت وعصر.