محتوي الموضوع
الشعر كان أولى الأدوات التي يعبر بها العرب عن مكنون ضمائرهم وما يستكن في خواطرهم من الأوجاع والأسقام والأفراح والأحزان؛ لذلك مثل الشعر شيئًا كبيرًا جدًّا عندهم، لم يتركوه أبدًا في الجاهلية ولا بعد الإسلام، فالشعر مما تسكن به النفوس وتقر به العيون، والناس تميل إلى الكلام الطيب الفصيح الذي يقطر بلاغة وشهدًا وحلاوة؛ فالفصاحة الشعرية شيء مهم في المتلقي، حيث حين يتلقى الإنسان كلامًا فإنه يميل إليه بقدر فصاحته من عدمها وبلاغته أيضًا من عدمها؛ لذا فقد اخترنا بعض الأبيات والقصائد الشعرية التي ستنول إعجاب القارئ إن شاء الله، ومع هذه الأبيات:
أول الأبيات:
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ :: وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى :: عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ :: إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي :: نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ :: فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني :: عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقُوا
أبَني أبِينَا نَحْنُ أهْلُ مَنَازِلٍ :: أبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنْعَقُ
شعر فصيح:
يطول انتظاري، لعلي أراك :: لعلي، ألاقيك بين البشر
سألقاك. لا بد لي أن أراك :: وإن كان بالناظر المحتضر
العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سوادَ الظلمة القمرُ
العلم فيه حياة للقلوب كما تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
أفرّ إليكَ منكَ وليس إلا … إليكَ يفرُ منكَ المستجيرُ ،
فإن عذبتني فبسُوء فعلي .. وإن تعفو فأنتَ به جديرُ
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ … وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ … إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً … منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ … عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ … بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ … عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى … هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ … وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ … وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ … وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ
ودّعتُ قلبيَ ساعـةَ التوديـعِ وأطعتُ قلبي وهو غيرُ مُطيعي
إنْ لم أشيّعْهُـم فقـد شيَّعتُهـم بمشيِّعَيْنِ : تنفسي, ودموعي!
بنتم وبنا فما ابتلتْ جوانحُنا … شوقاً إليكم ولا جفتْ مآقينا.
تكادُ حينَ تناجيكم ضمائرُنا … يقضي علينا الأسى لولا تأسينا.
إنَّ الزمانَ الذي ما زالَ يُضحكنا … أُنساً بقربكم قد عادَ يبكينا.
لا تحسبوا نأيكم عنَّا يُغيرنا … إذْ طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا.
واللهِ ما طلبتْ أرواحنا بدلاً … منكم ولا انصرفتْ عنكم أمانينا.
ألا أيُّهَا الشَّيْخُ الَّذِي مَا بِنَا يَرْضَى .. شقيت ولا هنيت في عيشك الغضا
شقيت كما أشقيتني وتركتني .. أَهيمُ مع الهُلاَّك لا أُطْعَمُ الْغَمْضَا
أما والذي أبلى بليلى بليتي .. وأصفى لليلى من مودتي المحضا
لأعطيت في ليلى الرضا من يبيعها .. ولو أكثروا لومي ولو أكثروا القرضا
فكم ذاكر ليلى يعيش بكربة .. فَيَنْفُضَ قَلْبِي حين يَذْكرُهَا نَفْضَا
وحق الهوى إني أحس من الهوى .. على كبدي ناراً وفي أعظمي مرضا
كأنَّ فُؤادِي في مَخالِبِ طَائِرٍ .. إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم .. عليَّ فما تَزْدَادُ طُولاً ولاَ عَرْضَا
اسمي أنا زيدٌ وهذي قريتي .. فوق الضفاف، وهؤلاء رجالي
وأنا أحبك منذ سبعة أعْصُرٍ .. وثمان طعْناتٍ وعشر ليالِ
وأنا أظن الريح رهن مآربي ..والنهر نهري، والظلال ظلالي
سمراء.. إنّ من المحبة لعنةً .. فحذارِ من أن تغرقي برمالي
سمراء.. أقوال الهوى محشوّةٌ .. موتاً، فلا تصغي لأي مقالِ
أنا واثق لو أنتِ قمتِ بطعنةٍ .. أخرى، سأعرف ما عليّ وما لي!
إني أريدك لي.. بلا عُقَدٍ، بلا حَرَبٍ، بغير دمٍ، بغير قتالِ
إني صرفت عليك نصف مبادئي .. ما كنت أجهل أن مهرك غالِ
إن كان هذا الحب لا ثمرٌ بهِ .. فبأي وهمٍ قد ملأتِ سلالي
ولأي زيفٍ قد مددتُ أناملي .. ولأي وجهٍ قد شددتُ رحالي
أإلى الجحيم تؤول كل مواهبي .. أم في الهباء يضيع كل نضالي؟!
أشعلتِ آمالي.. لماذا يا ترى؟ .. مادمت تحترقين من آمالي
ولِمَ اقترفتِ الحرب، ثم تركتني .. لأخوض وحدي في هواك نزالي؟!
أخفي جراحاتي، وأحسب أنني بطلٌ، فيا لغوايتي وضلالي
كل الإجابات التي قدمتِها.. ليست تساوي كبرياء سؤالي!
يا سيِّدتي:
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى .. هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها..
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى.. كي أستوطنَ فيها..
قولي أيَّ عبارة حُبٍّ .. حتى تبتدئَ الأعيادْ
يا غابةً تمشي على أقدامها .. وتَرُشُّني يقُرُنْفُلٍ وبَهَارِ
شَفَتاكِ تشتعلانِ مثلَ فضيحةٍ .. والنّاهدانِ بحالة استِنْفَارِ
وعَلاقتي بهما تَظَلُّ حميمةً .. كَعَلاقةِ الثُوَّارِ بالثُوَّارِ..
فَتشَرَّفي بهوايَ كلَّ دقيقةٍ .. وتباركي بجداولي وبِذَاري
أنا جيّدٌ جدّاً.. إذا أحْبَبْتِني .. فتعلَّمي أن تفهمي أطواري..
مَنْ ذا يُقَاضيني؟ وأنتِ قضيَّتي .. ورفيقُ أحلامي، وضوءُ نَهَاري
مَنْ ذا يهدِّدُني؟ وأنتِ حَضَارتي .. وثَقَافتي، وكِتابتي، ومَنَاري..
إنِّي اسْتَقَلْتُ من القبائل كُلِّها .. وتركتُ خلفي خَيْمَتي وغُبَاري
هُمْ يرفُضُونَ طُفُولتي.. ونُبُوءَتي .. وأنا رفضتُ مدائنَ الفُخَّارِ..
كلُّ القبائل لا تريدُ نساءَها .. أن يكتشفْنَ الحبَّ في أشعاري..
كلُّ السّلاطين الذين عرفتُهُمْ.. قَطَعوا يديَّ، وصَادَرُوا أشعاري
لكنَّني قاتَلْتُهُمْ.. وقَتَلْتُهُمْ .. ومررتُ بالتاريخ كالإعصارِ..
أَسْقَطْتُ بالكلمَاتِ ألفَ خليفة.. وحفرت بالكلمات ألف جدار
أَصَغيرتي.. إنَّ السفينةَ أَبْحَرتْ .. فَتَكَوَّمي كَحَمَامةٍ بجواري
ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى .. فلقدْ عشِقْتُكِ.. واتَّخَذْتُ قراري..
رمتِ الفؤادَ مليحةٌ عذراءُ .. بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ .. مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني .. أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ
خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت .. أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
ورنتْ فقلتُ غزالةٌ مذعورةٌ .. قدْ راعهَا وسطَ الفلاةِ بلاءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَةَ تِمِّهِ .. قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
ليت الذي خلق العيون السودا .. خلق القلوب الخافقات حديدا
لولا نواعسها ولولا لحظها .. ما ودّ مالك قلبه لو صيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تَهِم .. كنت امرءا خشن الطباع بليدا
وإذا طلبت مع الصبابة لذّة .. فلقد طلبت الضائع الموجودا.
إذا بكيت بجوف الله مبتهلا… ففى الصباح بإذن الله تبتسم
و إن أتتك جيوش الهم غازية… فبالصلاة على المختار تنهزم
هذه كانت بعض الأبيات والقصائد الشعرية التي أحببنا استعراضها مع القارئ الكريم، ونود أن تكون قد نالت إعجابه من فصاحتها وشدة بلاغتها وجمال أسلوبها، فالشعر يؤثر في النفس الإنسانية تأثيرًا عظيمًا جدًّا، والشعر أداة إنسانية استخدمتها كل شعوب العالم، فهناك حضارة الفرس والروم التي كان الشعر أيضًا بلغتهم سائدًا فيها، إلا أن الحضارة العربية والإسلامية كانت محط أعظم الأشعار الإنسانية على مر الوجود الإنساني كله؛ لذلك من الواجب أن نفخر بما خلفه لنا أجدادنا من تراث شعري عظيم يضاهي أعظم الأشعار الموجودة في العالم حاليًّا.