محتوي الموضوع
خلقنا الله بقلب به غريزة فطريه تجاه الأب، الأم، الأخوة، وجعل هذا الحب أقوى من أي ظروف نتعرض لها، فتجد أنك إذا ما دخلت في اختيار يتطلب التضحية منك حتى تحافظ على أحد منهم لن تتردد، وإذا أصاب أحدهم مكروه ستتألم كما لو أنك أنت المصاب، هكذا كان حال الخنساء مع أخيها صخر وهذا ما سوف نتحدث عنه في السطور القادمة.
نبذة عن الخنساء:
الخنساء هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، من بني سليم من قيس عيلان، من مضر، وهي من أشعر النساء، عاشت بنجد وقضت أكثر من نصف عمرها في الجاهلية، وعندما دخل الإسلام شبه الجزيرة العربية أدركته وأسلمت، زارت محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم مع قومها، أشهر قصائدها في الرثاء، حيث كانت ترثي أخويها صخر ومعاوية اللذين قتلوا خلال حروب في الجاهلية، وللخنساء أربعة أولاد شاركوا في حرب القادسية سنة 16 هجريا، وكانت الخنساء تحسهم على المشاركة في الحرب حتى استشهدوا فيها، وقالت الخنساء بعد علمها بوفاتهم “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم”.
قصيدة أعيني فيضي من رثاء الخنساء لأخيها صخر
أَعَينِيَ فيضي وَلا تَبخُلي
فَإِنَّكِ لِلدَمعِ لَم تَبذُلي
وَجودي بِدَمعِكِ وَاِستَعبِري
كَسَحِّ الخَليجِ عَلى الجَدوَلِ
عَلى خَيرِ مَن يَندُبُ المُعوَلونَ
وَالسَيِّدِ الأَيِّدِ الأَفضَلِ
طَويلِ النِجادِ رَفيعِ العِمادِ
لَيسَ بِوَغدٍ وَلا زُمَّلِ
يُجيدُ الكِفاحَ غَداةَ الصُياحِ
حامي الحَقيقَةِ لَم يَنكَلِ
كَأَنَّ العُداةَ إِذا ما بَدا
يَخافونَ وَرداً أَبا أَشبُلِ
مُدِلّاً مِنَ الأُسدِ ذا لِبدَةٍ
حَمى الجِزعَ مِنهُ فَلَم يُنزَلِ
يَعِفُّ وَيَحمي إِذا ما اِعتَزى
إِلى الشَرَفِ الباذِخِ الأَطوَلِ
يُحامي عَنِ الحَيِّ يَومَ الحِفاظِ
وَالجارِ وَالضَيفِ وَالنُزَّلِ
وَمُستَنَّةٍ كَاِستِنانِ الخَليجِ
فَوّارَةِ الغَمرِ كَالمِرجَلِ
رَموحٍ مِنَ الغَيظِ رُمحُ الشَموسِ
تَلافَيتَ في السَلَفِ الأَوَّلِ
لِتَبكِ عَلَيكَ عِيالُ الشِتاءِ
إِذا الشَولُ لاذَت مِنَ الشَمأَلِ
قصيدة تحدث فيها الخنساء ابنة أخيها صخر وهى ترثيه
أَبِنتُ صَخرٍ تِلكُما الباكِيَة
لا باكِيَ اللَيلَةَ إِلّا هِيَه
أَودى أَبو حَسّانَ واحَسرَتا
وَكانَ صَخرٌ مَلِكُ العالِيَه
وَيلايَ ما أُرحَمُ وَيلاً لِيَه
إِذ رَفَعَ الصَوتَ النَدى الناعِيَه
كَذَّبتُ بِالحَقِّ وَقَد رابَني
حَتّى عَلَت أَبياتُنا الواعِيَه
بِالسَيِّدِ الحُلوِ الأَمينِ الَّذي
يَعصِمُنا في السَنَةِ العادِيَه
لَكِنَّ بَعضَ القَومِ هَيّابَةٌ
في القَومِ لا تَغبِطُهُ البادِيَه
لا يَنطِقُ العُرفَ وَلا يَلحَنُ
العَزفَ وَلا يَنفُذُ بِالغازِيَه
إِن تُنصَبِ القِدرُ لَدى بَيتِهِ
فَغَيرُها يَحتَضِرُ الجادِيَه
لَكِن أَخي أَروَعُ ذو مِرَّةٍ
مِن مِثلِهِ تَستَرفِدُ الباغِيَه
لا يَنطِقُ النُكرَ لَدى حُرَّةٍ
يَبتارُ خالي الهَمِّ في الغاوِيَه
إِنَّ أَخي لَيسَ بِتَرعِيَّةٍ
نِكسٍ هَواءِ القَلبِ ذي ماشِيَه
عَطّافُهُ أَبيَضُ ذو رَونَقٍ
كَالرَجعِ في المُدجِنَةِ السارِيَه
فَوقَ حَثيثِ الشَدِّ ذو مَيعَةٍ
يَقدُمُ أولى العُصَبِ الماضِيَه
لا خَيرَ في عَيشٍ وَإِن سَرَّنا
وَالدَهرُ لا تَبقى لَهُ باقِيَه
كُلُّ اِمرِئٍ سُرَّ بِهِ أَهلُهُ
سَوفَ يُرى يَوماً عَلى ناحِيَه
يا مَن يَرى مِن قَومِنا فارِساً
في الخَيلِ إِذ تَعدو بِهِ الضافِيَه
تَحتَكَ كَبداءٌ كُمَيتٌ كَما
أُدرِجَ ثَوبُ اليُمنَةِ الطاوِيَه
إِذ لُحِقَت مِن خَلفِها تَدَّعي
مِثلَ سَوامِ الرَجُلِ الغادِيَه
يَكفَأُها بِالطَعنِ فيها كَما
ثَلَّمَ باقي جَبوَةِ الجابِيَه
مناسبة القصيدتين:
لقد كتبت الخنساء القصيدتين السابقتين وغيرها في رثاء صخر أخوها، والجدير بالذكر أن صخر كان أخ للخنساء من الأب فقط ولكنها كانت تحبه حباً جماً مما جعلها ترثيه في أكثر من قصيدة.
كيف مات صخر بن مضر أخو الخنساء:
يروى أن صخر قام بغزوة على بني أسد بن خزيمة، وأخذ غنائم ومكاسب وسبيا من بينهم أمرأه تدعي “بديلة” وقام بطعنه رجل من بني أسد يدعى ربيعة بن ثور، ومرض صخر على أثر هذه الطعنه ما يزيد عن سنة، حيث دخلت حلق الدرع في جوف صخر، وملت زوجته من مرضه حيث ذكر أنه قد سمع أمراءه تسأل سلمي زوجته عن صحته، حيث قالت لها كيف بعلك؟ فردت سلمى زوجت صخر قائلة” لَا حيٌ فيرجى، وَلَا ميت فيُنعى” وسمعها صخر وتأثر بشدة وحزن على حاله حتى أنشد فيها قصيدة يعاتب فيها أمراته ويتعجب أن أمه وأخته وبنته يبكين على حاله، أما أمرأته فقد مللت منه، ويقول أن من يفكر في المساواة بين حب الأم وحب الزوجة لن يعيش إلا في شقا وهوان، وظل حاله هكذا إلى أن مات.