شعرشعر حب

قصيدة يا ظبية البان ترعى في خمائله كاملة – الشريف الرضي

الشريف الرضي من أبرز شعراء العصر العباسي في القرن الرابع الهجري، وقد اشتهر بأسلوبه الراقي وبلاغته الرفيعة التي تمزج بين العاطفة العميقة والتعبير الفصيح. ومن بين أجمل قصائده العاطفية تأتي قصيدة “يا ظبية البان”، التي صوّر فيها حباً عذرياً طاهراً يتسم بالشوق والحنين والعجز أمام الجمال والهيبة التي يحملها المحبوب. تميزت هذه القصيدة بصورها الفنية الدقيقة، وتراكيبها اللغوية الراقية التي تنقل مشاعر الحب والافتتان بصدق مؤثر.

نص القصيدة كاملة

يا ظَبْيَةَ البانِ تَرْعى في خَمائِلِهِ
لِيَهْنِكَ اليومَ أنَّ القلبَ مَرْعاكِ

الماءُ عندَكِ مَبْذولٌ لشارِبِهِ
وليسَ يُرويكِ إلا مَدْمَعي الباكي

هَبَّتْ لنا من رياحِ الغَوْرِ رائِحَةٌ
بعدَ الرُّقادِ عَرَفْناها بِرَيّاكِ

ثم انثنينا إذا ما هَزَّنا طَرَبٌ
على الرِّحالِ تَعَلَّلْنا بِذِكْراكِ

سَهْمٌ أَصابَ وراميهِ بِذي سَلَمٍ
مَنْ بالعِراقِ لقد أَبْعَدْتِ مَرْماكِ

وَعْدٌ لِعَيْنَيْكِ عندي ما وَفَيْتِ به
يا قُرْبَ ما كَذَبَتْ عَيْنَيَّ عَيْناكِ

حَكَتْ لِحاظُكِ ما في الرِّيمِ من مُلَحٍ
يومَ اللِّقاءِ فكانَ الفَضْلُ للحاكي

كأنَّ طَرْفَكِ يومَ الجِزْعِ يُخْبِرُنا
بما طوى عنكِ من أسماءِ قَتْلاكِ

أنتِ النعيمُ لقلبي والعذابُ لهُ
فما أَمَرَّكِ في قلبي وأَحْلاكِ

عندي رسائلُ شوقٍ لستُ أذكرُها
لولا الرقيبُ لقد بَلَّغْتُها فاكِ

سَقى منىً وليالي الخيفِ ما شَرِبَتْ
من الغَمامِ وحَيَّاها وحَيَّاكِ

إذ يلتقي كلُّ ذي دَيْنٍ وماطِلِهِ
مِنَّا ويجتمعُ المشكوُّ والشاكي

لمَّا غدا السَّرْبُ يَعْطُو بين أَرْحُلِنا
ما كانَ فيهِ غَريمُ القلبِ إلاكِ

هامتْ بكِ العينُ لم تتبعْ سواكِ هوًى
مَنْ عَلَّمَ البَيْنَ أنَّ القلبَ يَهْواكِ

حتى دنا السَّرْبُ، ما أَحْيَيْتِ من كَمَدٍ
قَتْلى هواكِ ولا فادَيْتِ أَسْراكِ

يا حَبَّذا نَفْحَةٌ مرَّتْ بِفِيكِ لنا
ونُطْفَةٌ غُمِسَتْ فيها ثَنَاياكِ

وحَبَّذا وَقْفَةٌ، والرَّكْبُ مُغْتَفِلٌ
على ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطاياكِ

لو كانتِ اللِّمَّةُ السَّوْداءُ من عُدَدي
يومَ الغَميمِ لما أَفْلَتِّ أَشْراكي

قصيدة “يا ظبية البان” هي مرآة صافية لما يحمله الشعر العربي الكلاسيكي من رقي في الأسلوب وعمق في العاطفة. لقد استطاع الشريف الرضي أن يعبّر عن ألم العشق ولذة الشوق بأسلوبٍ يلامس الروح، ويجعل القارئ يتأمل جمال المعاني وسحر الصور الشعرية. قصيدته ليست مجرد كلمات، بل هي انسياب وجداني نابع من قلب شاعر تذوّق الحب بمعناه الخالص. تبقى هذه القصيدة من أبرز ما قيل في التغزل بالمحبوب، ويظل صداها حاضرًا في وجدان كل من عرف الحب على حقيقته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى