محتوي الموضوع
الوصية هي الأمر بالتبرع بمال الشخص بعد الموت أو بالتصرف فيه بعد الموت، وهي مشروعة بدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهناك فرق واضح بين الوصية وبين الهبة، حيث إن التبرع بالمال في حال حياة الإنسان يُعد على سبيل الهبة، ولا يأخذ حكم الوصية، ولكن ينبغي التنبيه هنا على أنه لا يجوز للإنسان أن يهب بعض أولاده ثم يترك بعضهم الآخر، أو يفضل بعضهم على بعض في هبته، بل ينبغي العدل بينهم جميعًا؛ لما جاء في حديث النعمان بن أنّ أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، لمَّا نَحَلَهُ نِحْلَةً ، لِيَشْهَدَ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مثل هذا ؟ فقال : لا . فقال : أرْجِعْه . ثم قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) رواه البخاري.
ونحن في هذا الموضوع كيفية كتابة الوصية وحكمها الشرعي، نستعرض بعض الجوانب الشرعية المهمة في باب الوصية ونذكر أدلتها من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم الثقات إن شاء الله تعالى.
حكم الوصية:
الوصية مشروعة بأدلة القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء، قال تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) البقرة /180 ، وقوله تعالى : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) النساء /11 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تصدق عليكم بِثُلُثِ أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم ) رواه ابن ماجة (الوصايا/ 2700) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 2190 .
وقد أجمع أهل العلم على جواز الوصية.
وقد تكون الوصية واجبة إذا كان على الإنسان حقوق ليس فيها ما يثبت ذلك، حتى لا تضيع تلك الحقوق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة. رواه البخاري.
وتكون مستحبة بأن يوصي الشخص بشيء من أمواله يتم صرفه في سبل الإحسان والبر؛ لكي يصل ثوابه إلى الشخص بعد موته، حيث إن الله تعالى أذن له بالتصرف في ثلث ماله عند الموت.
الوصية للورثة:
لا تصح الوصية لواحد من الورثة؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا وصية لوارث. صححه الألباني رحمه الله.
وإذا كان قصد الوصي المضارة بالوارث وأن يضيق عليه فذلك حرام؛ لقول الله تعالى: (غير مضارٍّ)، واعتبار الوصية يبدأ في حال الموت، ويمكن للموصي أن يرجع في وصيته وأن ينقضها أو يرجع في بعضها، وإنفاذ الوصية من الأمور الهامة التي أكد الله تعالى عليها وقدمها في الذكر، وهناك وعيد شديد على من يخالف هذه الوصية أو يبدلها.
توزيع الثروة بعد الموت:
لا يملك أحد الحق في أن يوزع ثروة شخص بعد موته؛ فإن كل حصة لكل وارث قد بينها الله تعالى، وقد بيَّن الله تعالى من يرث ومن لا يرث، ولا يجوز لأي إنسان أن يتعدى ما حدَّه الله تعالى في ذلك؛ فإن من يفعل ذلك سيجد العقاب الغليظ.
وقد قال الله تعالى في ذلك في سورة النساء: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)
كان هذا ختام موضوعنا حول كيفية كتابة الوصية وحكمها الشرعي، قدمنا خلال هذه المقالة بعض المعلومات الشرعية حول الوصية ومتى تجب ومتى تُستحب ومتى تحرم، حيث إن لكل حالة من هذه الحالات حكم شرعي، وعلى كل عبد يؤمن بالله تعالى ألا يتعدى حدود الله فإن من يفعل هذا يلاقي العذاب المهين، وقد توعد الله تعالى من يبدلون الوصية أو من يخالفونها ما دامت لم تحل حرامًا ولم تحرم حلالًا، ونسأل الله تعالى أن يهدي الناس جميعًا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.