الأم هي من أصدق الكلمات التي قيلت في هذه الحياة، الكلمة التي تدلك على شعور قوي بالدفء والحنان والرحمة، فهي مجمع الإنسانية كلها، الأم اسم عظيم جدًّا يسمو فوق أسماء كثيرة من هذه الدنيا، ولقد اوصي الحق تبارك وتعالي بالام لعنائها وحبها وشقائها ومكانتها كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم ببرها غاية البر، ووردت في ذلك أحاديث كثيرة جدًّا سنذكرها لاحقًا في موضوعنا، وكذلك تسابق الشعراء والكتاب في بيان عظيم قدر الأم وفضلها على الأمة بأسرها، ومن ذلك ما قيل:
العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـهِ … والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ … أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ.
وأيضًا:
الأُمُّ مَـدْرَسَــةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَـهَـا…….. أَعْـدَدْتَ شَعْبـاً طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَـعَهَّـدَهُ الحَـيَــا…….. بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ
الأُمُّ أُسْـتَـاذُ الأَسَـاتِـذَةِ الأُلَـى……… شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَـدَى الآفَـاقِ
فالأم هي كل شيء بالنسبة لحياة الإنسان طفلًا وشابًّا وشيخًا، فمن بقيت معه أمه فقد بقي معه الرحمة والحنان والدفء، ومن ذهبت عنه أمه فقد ذهب عنه كل شيء، فالأم لا تُعَوَّض أبدًا في هذه الحياة، ولو بقينا نتكلم في هذا الموضوع عن عظيم فضل الأم وقدرها لما عرفنا ولما استطعنا ولنفد الورق ولنفد كل شيء قبل أن نستطيع أن نوفي الأم حقها، فالأم لا يوفيها حقها إلا الله تعالى سبحانه، فهي التي ولدت وهي التي ربت وهي التي أنشأت رجالًا يتسابقون في كل الميادين والمجالات، فهي أنشأت المجتمع، وهي التي تقدر على هدمه أو بنائه، فالأم سلاح الأمة نفسها نحو التقدم والرقي والازدهار والرخاء.
وقبل أن نجاوز إلى الموضوع نستهل حديثنا بشيء من كتاب الله مما ورد عن بر الوالدين، نستحث به القارئ الكريم على أهمية هذا الموضوع وقيمته العظيمة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25).
والآن مع موضوعنا هل تعلم عن الأم:
هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى ؟ قال : « الصَّلاةُ على وقْتِهَا » قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قال: «بِرُّ الْوَالِديْنِ » قلتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قال : «الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ » متفقٌ عليه .
.
هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جَاءَه رَجُلٌ فقال : يا رسول اللَّه مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحَابَتي ؟ قال : « أُمُّك » قال : ثُمَّ منْ ؟ قال: « أُمُّكَ » قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : « أُمُّكَ » قال : ثُمَّ مَنْ ؟ قال : « أَبُوكَ » متفقٌ عليه .
هل تعلم أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « رغِم أَنْفُ ، ثُم رغِم أَنْفُ ، ثُمَّ رَغِم أَنف مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ ، أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما ، فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ » رواه مسلم .
هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل عليه رجل فقال: أُبايِعُكَ على الهِجرةِ وَالجِهَادِ أَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللَّه تعالى . قال: « فهَلْ مِنْ والدِيْكَ أَحدٌ حَيٌّ ؟ » قال : نعمْ بل كِلاهُما قال : « فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّه تعالى؟» قال : نعمْ . قال : « فَارْجعْ إِلى والدِيْكَ ، فَأَحْسِنْ صُحْبتَهُما . متفقٌ عليه .
وهل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلا أُنَبِّئُكمْ بِأكْبَرِ الْكَبائِرِ ؟ » ثلاثاً قُلنا : بلَى يا رسولَ اللَّه : قال : « الإِشْراكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الْوالِديْن » وكان مُتَّكِئاً فَجلَسَ ، فقال:«أَلا وقوْلُ الزُّورِ وشهادُة الزُّورِ »فَما زَال يكَرِّرُهَا حتَّى قُلنَا : ليْتهُ سكتْ .متفق عليه
وهل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ اللَّهُ تعالى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمهَاتِ ، ومنْعاً وهات ، ووأْدَ البنَاتِ ، وكَرَهَ لكُمْ قِيل وقالَ ، وكثرة السَؤالِ ، وإِضَاعة المالِ » متفقٌ عليه.
وهل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مِنَ الْكبائِرِ شتْمُ الرَّجلِ والِدَيْهِ ،» قالوا : يا رسولَ اللَّه وهَلْ يشْتُمُ الرَّجُلُ والِديْهِ ؟، قاـل : « نَعمْ ، يَسُبُّ أَبا الرَّجُلِ، فيسُبُّ أَباه ، ويسُبُّ أُمَّهُ ، فَيسُبُّ أُمَّهُ » متفقٌ عليه .
وهل تعلم أن رضى الله من رضى الوالدين وسخطه من سخطهما.
وهل تعلم أن دعوة الوالدين مستجابة فاحرصي على رضاهما..
وهل تعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يقرن شيء بعبادته سوى طاعة الوالدين والبر بهما …
وهل تعلم أن البر بالوالدين والإحسان إليهما من أسباب سعادة الدنيا والآخرة..
وهل تعلم أن مجرد كلمة ( أف ) عقوق لهما ويتوجب عليها عقاب من الله سبحانه وتعالى..
وهل تعلم أن من البر بالوالدين عدم رفع الصوت عليهما وعدم حدة النظر إليهما..
وهل تعلم ان من البر بالوالدين التواضع لهما والترفق معهما و الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة …
وهل تعلم أن الطالبة المطيعة لوالديها أفضل من غير المطيعة
وهل تعلم أن البنت التي تساعد أمها أحسن من البنت لا تفعل.
وهل تعلم أن الطالبة التي تتأدب في حضرة والديها أفضل من تلك المشاكسة
وهل تعلم أن الطالب طويل اللسان سيئ ومنبوذ من الجميع؟
كان هذا موضوعنا اليوم عن الأم، ونرجو أن نكون قد بينا بعضًا من حق الأم علينا، وبينا شيئًا مما يجب على الطلاب أن يفعلوه تجاه والديهم، فبر الوالدين من أعظم وجوه الخير التي يمكن للإنسان أن يتجه إليها، فبرك لوالديك أعظم بكثير من أمور أخرى قد تفعلها وتظنها أفضل من بر الوالدين، فالله عز وجل يقرن على الدوام بين الإيمان به وبر الوالدين، وهذا أمر عظيم جدًّا يجب أن يتنبه إليه كل مسلم، فيرجع إلى أمه كي يقبل يديها وجبهتها ورجلها، وليحذر من العقوق الذي يورث المذلة والانكسار وكراهية الناس في الدنيا وبغض الآخرة، ونتمنى أن نكون قد استطعنا أن نبرز بعض الأمور الهامة التي يتنبه لها الطالب ليفعلها مع أمه ويكون سندًا حقيقيًّا لها في الدنيا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم.