محتوي الموضوع
إن الشعر فن عظيم ورقيق، وقليلون هم من وهبهم الله موهبة الشعر، وأعطاهم قدرة على التعبير عما يجول بخاطرهم وما يشعرون به، فقد يستطيع الشاعر أن يبرز في قصيدته الشعرية معاني عديدة ومشاعر مختلفة، وربما يكون الشاعر هو من عايش الحدث الذي سطره في قصيدته، أو ربما عايشه شخص أخر وأراد هو أن يخط هذه المشاعر بقلمه في قصيدة منمقة، والشعر أبرع من قاله هم العرب، فتجد أعظم القصائد وأكثرها شهرة قصائد شعراء العصر الجاهلي ممن سكنوا شبه الجزيرة العربية، وهناك شعراء مصريون خلدهم التاريخ، وفي السودان يوجد شعراء عظام أيضًا، لذا خصصنا مقالنا اليوم لنقدم مجموعة متنوعة من الأشعار السودانية، نتمنى أن تنال إعجابكم.
قصيدة غزل نثرية للشاعر السوداني إدريس جماع
شاء الهوى أم شئت أنت
فمضيت في صمت مضيت
أم هز غصنك طائر
غيري فطرت إليه طرت
وتركتني شبحاً أمد
إليك حبي أين رحت
وغدوت كالمحموم لا أهذي
بغير هواك أنت
أجر .. أفر .. أتوه .. أهرب
في الزحام يضيع صوت
واضيعتي أأنا تركتك
تذهبين بكل صمت
هذا أوانك يا دموعي
فاظهري أين اختبأت
فإذا غفوت لكي أراك
فربما في الحلم جئت
في دمعتي في آهتي
في كل شيء عشت أنت
رجع الربيع وفيه
قصيدة دينية عمودية للشاعر السوداني مدثر بن إبراهيم بن الحجاز:
إذا أنت ترحمني أنا ذلك العبد
كثير الخطا يا سيدي ولك الحمد
معاملة بالفضل أرجوك دائما
وان تمنحن قربا فخارى به يبدوا
وسعدوا وارفاداً وفيضا وسؤددا
وعلما وتوفيقا به يطرد الصد
وجنة احسان وجنة مشهد
لطيف شريف لا يرى بعده بعد
وجنة أشواق وانة عاشق
تقدس بالتقوى افيض له الود
وخلعة تقريب وقنة سؤدد
يفوز بها كلي ويصفو بها الورد
ومسلك فرقان وحسن عناية
يطيب بها قدري ويعلو بها السعد
ونور سلوك الخير والسنن الذي
لسالكه يا سيدي الفوز والوعد
ومنجح آمال وحسن مقاصد
قصيدة الشاعر السوداني الشاب محمد عبد الباري:
سالوا و لا ماءَ
لا مرآة َ وانعكسوا
وباسمهم في الأعالي صلصلَ الجرسُ
مؤذنونَ قدامى
كلما التبست صلاتُهم
أجلّوا التكبيرَ والتبسوا
وكلما فُتنت بالريحِ أنفسُهم
تقمّصوا فكرةَ الأشجارِ وانغرسوا
الداخلون إلى المعنى علانيةً
ودونهم تسقطُ الأبوابُ
والحرسُ
مطابقونَ لغاباتِ الخيالِ
فمذ سميتُهم بينابيعِ الهوى
انبجسوا
من أين أُمسكهم ؟!
من فرطِ ما اتسعت أسماؤهم
حفظوا الأسماءَ ثم نسوا
مجلّلون بما للهِ من مطرٍ
تقول صحراؤهم:
حاولتُ…ما يبسوا
و ساخنونَ
لأن القلبَ أوقفهم على نوافذهِ الحمراءِ
فاحتبسوا
تكلموا قبل تاريخِ الشفاهِ
معي
وكان يسجنني في نفسيَ
الخرَسُ
يمشون للوترِ المشدودِ فيّ
كما
تمشي لمكةَ في الموّالِ أندلسُ
مروا خفافاً
على ما شفّ من لغتي
ثمّ اطمأنوا إلى الأعماقِ
فانغمسوا
فكرتُ في لوحةٍ أولى تُلوّنُهم :
مقهىً شرودي
وهم في بابهِ جلسوا
خذني أيا هوسَ الأشياءِ منكَ
إلى فردوسِ غُربتِهم
أرجوكَ يا هوسُ
خذني إلى جبلِ العصيانِ
أنصرُهم
في يومِ يشتبكُ الطوفانُ و اليبسُ
قد آن
أن تخرجَ الراياتُ من دمِنا
ولا تعودَ إلى خيّالها الفرسُ
سنُسقطُ الوقتَ
إن الوقتَ أتعبنا جدا
وما تعبَ الكُهانُ والعسسُ
نأتيهِ من جهةِ الزلزالِ
عاصفةً
وعن أذى زهرةٍ في الروحِ
نحترسُ
خذني لتكبرَ في الجدرانِ
صرختُنا
حدَ الرئاتِ التي يمتصُها النَفَسُ
ضقنا
فمن حين ما جُنّ البكاءُ بنا
ونحنُ في المأتمِ الكونيّ نُلتمسُ
لأننا
كالحواريين أفئدةً
يندى لألفِ يسوعٍ حزنُنا السلِسُ
مثقّبون بما يكفي
ليسطعَ من هذي الثقوبِ على أيامِنا
القبسُ
لا نعرفُ المنتهى
من يومِ فجّرنا
شعراً و حريةً
هذا الهوى الشرسُ
وبهذا نكون وصلنا إلى ختام مقالنا اليوم الذى خصصناه كما ذكرنا في الأعلى للشعر السوداني، فقد قدمنا نماذج لقصائد سودانية مختلفة، فقد قدمنا القصيدة الدينية ذات الوزن العمودي، وهو يعتبر الشكل التقليدي للقصيدة الشعرية وهو الأكثر انتشارا قديماً، وقد صاغ مدثر بن إبراهيم كلماته برصانة وببراعة غير تقليدية، وجاءت صوره الشعرية بسيطة وجميلة تناسب الشعر الديني، أما القصيدة الغزلية وهي قصيدة نثرية وتعتبر من مظاهر التجديد في الشعر الذي انتشر في العصر الحديث، وهذه القصيدة للشاعر العظيم إدريس جماع، وذكرنا في ختام المقال قصيدة لشاعر شاب كنوع من التأكيد على أن السودان بها الكثير من المواهب المتجددة على مر العصور.