محتوي الموضوع
ابن تيمية هو واحد من أشهر علماء المسلمين المعروفين بالعلم والعمل، وكان من المتوسطين المعتدلين في اعتقاده وفتاواه، وكان من أكثر الناس حثًّا على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الأمور، وكان رحمه الله من أحرص الناس على اجتماع الكلمة وعلى توحيد صفوف المسلمين وعلى التوحيد ونبذ الشرك والوثنية ومحاربة البدع والأمور الدخيلة في الإسلام، وكان من المتواضعين الزهاد العباد، وكان سمحًا تقيًّا ورع الديانة.
ونحن في هذا الموضوع ابن تيمية شيخ الإسلام، نتعرض إلى بعض ملامح من سيرته وبعض المعلومات المهمة عن هذا العالم الجليل الذي أفاد المسلمون من علمه طيلة قرون عديدة، ولا زالت كتبه ومؤلفاته إلى اليوم حاضرة في الساحة المعاصرة بقوة، فقد كان فكره رحمه الله فكرًا واسعًا لا يضيق بحدود الزمان والمكان الذي يعيش فيه.
ملامح من سيرته:
اسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية، ويُكنَّى أبو العباس.
وجاء هذا اللقب تيمية؛ لأن جده قد حجَّ وله امرأة حامل، فلما أن وصل إلى تيماء وهي مدينة بين المدينة وتبوك، وجد طفلة قد خرجت من الخباء، فلما رجع جدُّ ابن تيمية إلى حران، رأى زوجته قد ولدت بنتًا، فلما رأى البنت، قال: يا تيمية، يا تيمية، يعني أن هذه البنت تُشبه تلك الطفلة التي رآها في تيماء، فكان اللقب من وراء هذه القصة.
وقد قيل في نسبة هذا اللقب إليه أن جدَّه محمدًا كانت له أم تُدعى تيمية، وكانت أمه تلك واعظة فنُسِبَ إليها، واشتُهر بها.
وكان مولد ابن تيمية في يوم الإثنين سنة 661، وقد جاء مع والده وأهله إلى مدينة دمشق وهو لا يزال صغير السن.
وكان ابن تيمية أبيض البشرة، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، وكان شعره إلى شحمة أذنه، وكان متوسط القامة، وكان له صوت جهوري، وكان من الفصحاء، وكان سريع القراءة، وكانت فيه حِدَّة يقهرها بالحِلْم والصبر والأناة.
ولم يتزوج ابن تيمية؛ لما كان قد شُغِلَ عن الزواج بالعلم والجهاد، ولم يكن يزهد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا يرغب في هذا الأمر، ولكن شغلته أمور، نسأل الله تعالى أن يكون عمله متقبلًا بإذنه ورحمته وأن يجازيه خير الجزاء.
ابن تيمية وطلب العلم:
طلب ابن تيمية رحمه الله العلم وهو لا يزال في سن صغيرة، وكان وقته كله مستغرقًا في الطلب والاجتهاد، وقد ختم القرآن الكريم وهو في سن صغيرة، ثم اشتغل بعده بالحديث واللغة العربية والفقه، حتى برع في هذه العلوم أيما براعة، وقد سمع دواوين السنة جميعها مثل مسند الإمام أحمد والصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود والدارقطني وغير ذلك من الكتب التي دوَّنت السنة، وكان أول الكتب التي حفظها في الحديث هو كتاب الجمع بين الصحيحين للإمام المشهور الحميدي، وكان رحمه الله نهمًا في العلم لا يكاد يترك كتابًا إلا ويقرأه، وكان رحمه الله حادَّ الذكاء شديد الحفظ شديد الفهم، ذكي الطبع فطنًا لبيبًا، وكل هذه المؤهلات جعلته يختص بمكانة عالية بين علماء المسلمين.
وقد تكلم العلماء كثيرًا عن ابن تيمية وعن مكانته العلمية العظيمة، ومدى ما كان عليه من اشتغال بالعلوم، ومدى ما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة شديدة ودرجة عالية من الحفظ، حتى صار ابن تيمية من الأئمة في التفسير وفي الفقه وفي العقيدة والنحو واللغة، وغيرها من العلوم النقلية والعلوم العقلية، فما تكلم مع ابن تيمية أحد في علم من العلوم إلا وظن أن ذلك العلم والفن هو فن ابن تيمية المتخصص فيه وحده.
شدة حفظ ابن تيمية:
كان ابن تيمية من عجائب الدنيا في الحفظ، فقد كان يمر بالكتاب مرة مطالعة فيُنقَش هذا الكتاب في عقله وذهنه، وينقله ابن تيمية بعد ذلك في مؤلفاته باللفظ والمعنى.
وقد حدَّث بعضهم أن ابن تيمية لما كان في الصبا في بداية الطلب، قد حفظ كتابًا في يوم واحد، فلما عرض ذلك على أبيه كأنه تعجَّب من هذا الحفظ، فاستعرض ابن تيمية على أبيه هذا الكتاب من محفوظه، فإذا به قد حفظ الكتاب كله، فأخذه والده وقبَّله، وأخبره ألا يُخبر أحدًا بهذا الأمر حتى لا يُصاب بالعين أو الحسد.
شيوخ ابن تيمية:
لقد سمع ابن تيمية الحديث من العديد من العلماء والشيوخ، من هؤلاء: ابن أبي اليسر وابن عبد الدائم، والقاضي شمس الدين بن عطاء الحنفي، والشيخ شمس الدين الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، والشيخ جمال الدين البغدادي، ومجد الدين بن عساكر، والنجيب بن المقداد، وابن علان، وابن أبي الخير، وابن أبي بكر الهروي، والفخر علي، والكمال عبد الرحيم، والشرف بن القواس، وابن شيبان، وغير هؤلاء من الكثير من العلماء والشيوخ والحُفاظ.
فقد سمع ابن تيمية من أكثر من مئتي شيخ من الشيوخ.
تلاميذ ابن تيمية:
العالم المتمكن هو الذي يُخرج تلاميذ متمكنين، وعلماء كبار، فهذا يدل على قوة المعلم وكثرة علمه، وهذا ظاهر بصورة ملحوظة في تراث شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد خرج من تحت يديه علماء كبار وسادة عظام ملأوا الدنيا علمًا وفقهًا وفهمًا وسعة في كل شيء، ولعل ذلك يكون مكتوبًا في ميزان حسنات ابن تيمية إن شاء الله تعالى.
ومن تلاميذ شيخ الإسلام: ابن عبد الهادي، وابن قيم الجوزية، والذهبي، وابن مفلح الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والبزار، وابن قدامة، وابن الوردي، والقضاعي، ومحمد بن المنجا التنوخي، والرزالي، والصفدي، وغير هؤلاء كثير من الطلبة ومن العلماء الكبار الذين خرجوا على يد ابن تيمية فكان خروجهم خروج النور إلى الدنيا؛ ليستضيء الناس بهم، وقد ظلت علوم هؤلاء التلاميذ إلى الآن علوما قوية وأفكارًا رائعة وحججًا عظيمة تدل على سعة اطلاع معلمهم.
أقوال العلماء في ابن تيمية:
قال محمد بن عبد البر السبكي: والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحبُ هوًى؛ فالجاهلُ لا يدري ما يقول، وصاحبُ الهوى يصُدُّه هواه عن الحقِّ بعد معرفته به.
وقال أبو الحجاج المزي: ما رأيتُ مثل ابن تيمية، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيتُ أحدًا أعلمَ بكتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع لهما منه.
قال محمد عبد الهادي: ابن تيمية: هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، ومُفْتي الأُمَّة، وبَحْر العلوم، سيد الحُفَّاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، شيخ الإسلام، بركة الأنام، وعلَّامة الزمان، وتُرْجمان القرآن، عَلَم الزُّهَّاد، وأوْحَد العباد، قامع المبتدعين، وآخر المجتهدين، وصاحب التصانيف التي لم يُسبَقْ إلى مثلها.
قال ابن رجب الحنبلي: كانت العلماء، والصلحاء، والجند، والأمراء، والتجار، وسائر العامة تحبُّ ابن تيمية؛ لأنه مُنتصِبٌ لنفعهم ليلًا ونهارًا بلسانه، وعلمه.
قال القاضي ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا كُلُّ العلوم بين عينيه، يأخُذ ما يريد ويَدَع.
قال القاضي ابن فضل الله العمري: كان ابن تيمية لا تأخُذه في الحقِّ لومةُ لائمٍ، وليس عنده مُداهنة، وكان مادِحُه وذامُّه في الحقِّ عنده سواء.
صور ابن تيمية شيخ الإسلام:
كان هذا ختام موضوعنا حول ابن تيمية شيخ الإسلام، وقد استعرضنا ملامح من سيرته، وطفولته ونشأته، وذكرنا ما كان عليه من قوة الحفظ حتى أنه كان يحفظ الكتاب حفظًا كاملًا مُتقنًا في يوم واحد، وكان أعجوبة أقرانه وأعجوبة دهره رحمه الله تعالى، ورأينا كيف أنه خرَّج جيلًا عظيمًا من العلماء الكبار من أمثال ابن القيم والحافظ الذهبي والحافظ ابن كثير وابن قدامة وغيرهم من العلماء الذين ملأوا الدنيا بأسمى العلوم وأشرف المعارف.
وذكرنا ما تكلم فيه العلماء عن ابن تيمية من ثناء عليه بالخير والفضل والبركة والقوة في الحفظ والاعتدال في الرأي والزهد الشديد والإيثار الذي كان عنده، والاطلاع الواسع على كل العلوم وكافة المسائل حتى أنه لم يكن يدع علمًا من العلوم إلا ويدخل فيه ويعرف ما فيه من المسائل وما فيه من مواطن العلة ومواطن الداء.