توت عنخ آمون هو واحد من فراعنة الأسرة الثامنة عشر في مصر القديمة، وظل فرعونًا لمصر منذ سنة 1334 ق.م. وحتى سنة 1325 ق.م. ويُعتبر توت عنخ آمون واحدًا من أشهر الفراعنة المصريين لأسباب ليست لها علاقة بإنجازاته التي حققها أو حروبه التي انتصر فيها كما هو الحال مع العديد من الفراعنة الآخرين؛ وإنما تأتي أهميته من الناحية التاريخية التي من أبرزها الحدث الكبير في اكتشاف مقبرته بصورة كاملة دون تلف، والألغاز التي أحاطت بظروف موته، حيث إن الكثيرين شككوا في وفاته بصورة طبيعية، وبالخصوص مع تواجد آثار كسور في الجمجمة وعظمي الفخذ، وزواج الوزير الخاص به من أرملته بعد موته وتنصيبه لنفسه فرعونًا مكانه.
كل تلك الظروف الغامضة والمثيرة والاستخدام المكثف لأسطورة لعنة الفراعنة التي ارتبطت باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون والتي تم استعمالها في الأفلام؛ كل ذلك جعل من شخصية توت عنخ آمون شخصية مشهورة وبارزة بين الفراعنة؛ وقد مات توت عنخ آمون في سن صغيرة ودُفِنَ في مقبرته رقم 62 في وادي الملوك.
ونحن في هذا الموضوع توت عنخ آمون حياته وعصره وسر مقبرته، نتعرض إلى بعض المعلومات التفصيلية عن حياة هذا الفرعون الذي مات صغيرًا، ونُبرز معًا أهم العلامات التي تميز بها عصر وما هو سر العظمة في اكتشاف مقبرته في القرن العشرين.
حياة توت عنخ آمون:
هو ابن الملك أخناتون، وقد أعلن المجلس الأعلى للآثار في مصر في سنة 2010 أنه بناءً على اختبارات أُجريت للحمض النووي؛ ظهر أن توت عنخ آمون هو ابن الملك الفرعون أخناتون.
توت عنخ آمون صار ملكًا لمصر وهو طفل بعد أن مات أخوه سمنخ كا رع، وقد تم زواجه من عنخ إسن آمون.
وقد مات توت عنخ آمون في ظروف غامضة غير معروفة؛ ليأتي بعده وزيره السابق آي ليحكم مكانه وليتزوج من أرملته عنخ إسن آمون.
حكم توت عنخ آمون:
خلال حكم هذا الفرعون بدأت ثورة في تل العمارنة ضد حركة الملك أخناتون الذي قام بنقل العاصمة من طيبة إلى العاصمة الجديدة التي سُميت أخت أتون بالمنيا، وقد حاول أخناتون توحيد آلهة مصر القديمة المتنوعة بما فيها الإله آمون في شكل إله واحد سماه آتون، وفي عام 1331 ق.م. أي في العام الثالث لحكم الملك توت عنخ آمون الذي كان سنه حينذاك 11 عامًا، وبتأثير من وزيره آي؛ تم رفع الحظر الذي تم فرضه على عبادة الآلهة.
وهناك بعض الاعتقادات الشائعة أن موت توت عنخ آمون لم يكن لظروف مرض ونحو ذلك، وإنما كان من خلال اغتيال قام وزيره آي بتدبيره، وهناك الكثير من الأدلة التي يقوم المؤمنون بتلك النظرية بإيرادها، من تلك الأدلة على سبيل المثال: هو زواج وزيره من أرملته بعد وفاته.
حيث تم العثور على ختم فرعوني يحمل اسم آي مع أرملة توت عنخ آمون، وكذلك يوجد رسالة قامت بإرسالها عنخ إسن آمون أرملة توت عنخ آمون إلى ملك الحيثيين، حيث طلبت منه إرسال أحد أبنائه للزواج بها بعد وفاة زوجها، وقد قام ملك الحيثيين ببعث أحد أبنائه لكي يتزوج منها، غير أنه مات قبل دخول مصر.
وهناك بعض الاعتقادات أنه تم اغتياله على الراجح بتدبير من الوزير آي الذي كان يظهر أنه يخطط للاستيلاء على الحكم في مصر، فقام بقتل الملك توت عنخ آمون ثم قتل ابن ملك الحيثيين، ولكن كل تلك الأمور لا زالت فرضيات ولا توجد أدلة تقطع بصحة ثبوتها إلى الآن.
ومن المهم أن نذكر في هذا الصدد أن الدلائل التاريخية المشيرة إلى وجود وزيرين لتوت عنخ آمون، أحدهما الوزير آي الذي ذكرناه سابقًا، والوزير الآخر كان يسمى حورمحب، وهناك دلائل أثرية تؤكد على أنه بعد موت الملك توت عنخ آمون قد استلم الوزير آي حكم البلاد لمدة قصيرة؛ ليحل بعدها محله الوزير الثاني حورمحب الذي حصل في عهده إتلاف لأكثر الأدلة على فترة حكم الملك توت عنخ آمون والوزير آي، وهذا يؤكد عند بعض الباحثين نظرية المؤامرة وكون موت توت عنخ آمون بسبب الملاريا التي كانت تنتشر في مناطق الجنوب.
أسباب وفاة توت عنخ آمون:
لمدة طويلة كان سبب وفاة الملك توت عنخ آمون من الأمور المثيرة للجدل والاهتمام، وظهرت الكثير من الفرضيات والنظريات التي تحكي عن المؤامرة التي حصلت ضده، وأنها لا ترجح فكرة موته بل قتله واغتياله، ونتيجة لاستعمال التصوير الحاسوبي الثلاثي الأبعاد على مومياء الملك توت عنخ آمون.
صرح وزير الآثار الأسبق زاهي حواس أنه لا توجد دلائل على أن الملك توت عنخ آمون قد تعرض إلى اغتيال، بالإضافة إلى الفتحة التي وُجِدَت في جمجمة الملك لا ترجع إلى سبب تلقيه ضربة على رأسه كما كان يعتقد البعض في السابق، وإنما حصلت تلك الفتحة بعد موته كغرض من أغراض التحنيط، وقام زاهي حواس بتعليل الكسر الموجود في عظمة الفخذ الأيسر بأنه كان نتيجة لكسر في عظم الفخذ قد تعرض له الملك قبل وفاته، وربما كان الالتهاب الناتج عن هذا الكسر هو السبب في وفاة الملك.
اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون :
كان وادي الملوك يقع على الضفة الغربية من النيل قريبًا من طيبة ولفترة 450 عامًا خلال عهد الدولة الحديثة في تاريخ مصر القديمة والتي كان امتدادها من 1539 وحتى 1075 ق.م. كان وادي الملوك بمنزلة مقبرة لفراعنة هذه الفترة، حيث كان يوجد في ذلك الوادي الصخري الذي تصل مساحته حوالي 20000 متر مربع، يوجد به 27 قبرا ملكيا تعود لأسر ثلاثة وهي الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر والأسرة العشرين، وهذه القبور هي التي تم اكتشافها حتى يومنا هذا.
ومن المعتقد أن ذلك الوادي يضم على أقل تقدير ثلاثين قبرًا آخر لا زالوا لم يُكتشفوا بعدُ حتى تلك اللحظة.
وكان بناء قبر الملك الفرعون يبدأ في العادة بعد أيام من تنصيبه على عرش مصر، وكان البناء يستغرق في أكثر الأحيان عشرات السنين، وكان العمال يستخدمون أدوات بسيطة كالفأس لحفر أخاديد طويلة ولتشكيل غرف صغيرة في الوادي، ومع مرور الوقت كانت هناك قبور يتم بناؤها فوق قبور أخرى.
وكان شق الأنفاق والأخاديد الجديدة يؤدي غالبًا إلى حصول انسداد في الدهاليز التي تؤدي إلى قبر الفرعون الأقدم، وقلة التخطيط تلك هي التي كانت من الأسباب الأساسية التي أدت إلى بقاء تلك الكنوز وعدم تعرضها للسرقة لآلاف من السنين.
وفي يوم 4 نوفمبر من العام 1922 وحين كان عالم الآثار البريطاني الشهير هوارد كارتر يقوم بحفريات في مدخل النفق المؤدي إلى قبر الملك رمسيس السادس في وادي الملوك، لاحظ كارتر وجود قبو كبير، وظل في التنقيب الدقيق حتى دخل إلى الغرفة التي تضم ضريح الملك توت عنخ آمون، وكانت تلك الغرفة التي تشتمل على الضريح بها رسوم رائعة تحكي بالصور قصة رحيل الملك توت عنخ آمون إلى عالم الأموات، وكان هذا المشهد في غاية الإثارة والروعة للعالم كارتر الذي كان ينظر في تلك الغرفة من خلال فتحة وفي يده شمعة.
وفي يوم 16 فبراير عام 1923 كان كارتر أول إنسان منذ ما يزيد على 3000 عامًا يطأ قدمه أرض هذه الغرفة التي تحتوي تابوت الملك توت عنخ آمون، وقد لاحظ عالم الآثار وجود صندوق خشبي له نقوش مطعمة بالذهب في وسط الغرفة، وحين قام برفع ذلك الصندوق لاحظ أن هذا الصندوق كان يغطي صندوقًا آخر مزخرفًا بنقوش ذهبية، وحين رفع الصندوق الثاني لاحظ أن هذا الصندوق كان يغطي صندوقًا آخر مطعمًا بنقوش ذهبية، وحين رفع الصندوق الثالث وصل عالم الآثار إلى التابوت الحجري الذي كان مغطى بإحدى الطبقات السميكة من الحجر المنحوت على صورة تمثال للملك توت عنخ آمون، وحين رفع هذا الغطاء الحجري وصل عالم الآثار إلى التابوت الذهبي الخاص بالملك توت عنخ آمون.
كان هذا ختام موضوعنا حول توت عنخ آمون حياته وعصره وسر مقبرته، قدمنا خلال هذه المقالة بعض المعلومات التفصيلية حول الملك توت عنخ آمون وحول ملابسات وفاته وما أثارته حتى عصرنا الحديث من حالة من الجدل حول هذه الوفاة وهل كانت طبيعية أم كانت جراء عملية اغتيال، وذكرنا أن الأهمية التي اكتسبها هذا الملك ترجع بالأصل إلى عظمة الاكتشاف الذي حصل، حيث تم إيجاد مقبرته بصورة كاملة في وقت أحدث ضجة في العالم كله، ونتمنى أن نكون قد قدمنا بعض المعلومات التي يرغب فيها الزائر الكريم إن شاء الله تعالى.