محتوي الموضوع
من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل مفاضلة بين الأزمنة والأوقات، فاختص الله تعالى بعض الأزمنة بمزيد الفضل ومزيد الأجر من رحمته بعباده سبحانه وتعالى؛ ليكون ذلك داعيًا للهمم أن نقوم وتتجدد عزائم العباد ويتسابق الناس في الخير والفضل نحو المزيد من إحراز الثواب والتعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى، ومن تلك الأزمان الفاضلة هي أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة التي اختصها الله تعالى بالفضل الجزيل والثواب العظيم.
فإن الله تعالى أقسم بشرف هذه الأيام فقال سبحانه وتعالى: {والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر} (الفجر:1-3)، وهذا يدل على عظيم شرف هذه الأيام.
ونحن في هذا الموضوع صيام يوم عرفة وفضل أيام العشر الأوائل من ذي الحجة وصيغ التكبير، نتعرض إلى المزيد من المعلومات حول هذه الأيام وحول يوم عرفة وهو يوم التاسع من ذي الحجة بعده يوم عيد الأضحى.
فضل العشر الأوائل من ذي الحجة:
لقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأيام أيام العشر الأوائل من ذي الحجة هي أعظم أيام الدنيا، وأن الأعمال الصالحة ومنها الصيام في هذه الأيام هو أفضل منه في غير تلك الأيام، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الترمذي، وأصل الحديث في البخاري.
وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه الإمام أحمد.
وفي تلك الأيام: يوم عرفة وهو يوم التاسع من ذي الحجة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ؟ ) رواه مسلم.
فصيام يوم عرفة يكفِّر سنتين، وهو يوم مغفرة الذنوب.
وفي تلك الأيام أيضاً يوم النحر وهو أعظم الأيام عند رب العالمين سبحانه وتعالى، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله تعالى، يوم النحر، ثم يوم القرّ) رواه أبو داود .
وقد حظيت هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة بهذه المنزلة العظيمة في الإسلام؛ لما فيها من اجتماع أمهات العبادات فيها، وهي الصلاة والصوم والصدقة والحج، ولا يكون ذلك في غيرها من سائر الأيام.
انظر أيضًا: أدعية ليوم عرفة قصيرة
المفاضلة بين أيام العشر الأوائل من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان:
تكلم العديد من العلماء في المفاضلة بين تلك الأيام وبين أيام العشر الأواخر من رمضان، ومن أفضل ما ذهب إليه المحققون أن أيام العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان، وأن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة، وبذلك يكون هناك جمع بين النصوص التي دلت على فضل كل من هذه الأيام؛ فليالي رمضان لها الأفضلية في أن فيها ليلة القدر خير من ألف شهر، خير ليلة في الدنيا، وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة فلها الأفضلية في أن فيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية.
الأعمال الصالحة في أيام العشر:
هناك العديد من الأعمال الصالحة التي تتأكد في أيام العشر الأوائل من ذي الحجة ودلت عليها النصوص، ومن ذلك:
التوبة والرجوع إلى رب العالمين سبحانه وتعالى والتزام الطاعة وعدم مخالفة أمره سبحانه وتعالى، فقد قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} (النور:31)، ولا يمكن للعبد أن يستغني عن التوبة في أي وقت من الأوقات.
كذلك من الأعمال الصالحة في هذه الأيام هو الحج لبيت الله الحرام، وهي الفريضة التي افترضها الله تعالى على عباده وجعلها من أركان هذا الدين، والحج هو من أعظم الأعمال في البر، كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل أي العمل أفضل، قال: (إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) متفق عليه
أداء الواجبات والمحافظة على الطاعات وإحسان أداء الصلوات وإتقانها ومراعاة السنن والآداب، فهذه الأمور من أولى ما يمكن أن ينشغل به العبد في هذه الأيام، ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة : (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه….) رواه البخاري .
الإكثار من النوافل والمستحبات، فعلى العبد أن يغتنم شرف هذا الوقت بالإكثار من أعمال التطوع ومن النوافل، وقراءة القرآن والأدعية والصدقات والإحسان إلى الفقراء وبر الوالدين والصلة للأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الحقوق، وغيرها من أبواب الخير المهمة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها.
الإكثار من ذكر الله تعالى ومن التكبير؛ لقوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} (الحج:28) وجمهور أهل العلم على أن المقصود في الآية أيام العشر.
ومن السنة إظهار التكبير المطلق في هذه الأيام، وهذا التكبير في كل مكان في المنازل والأسوق والطرقات وغير ذلك، يجهر به الذكور من المسلمين، وتسر به النساء، ويستمر هذا التكبير منذ اليوم الأول من ذي الحجة وحتى عصر آخر أيام التشريق، وهذا التكبير من السنن التي هجرها الكثير من المسلمين وينبغي إحياؤها، وقد ثبت أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وأن أبا هرير رضي الله تعالى عنه كانا يخرجان إلى أسواق المسلمين فيكبران ويكبر الناس معهما.
أما عن التكبير الذي يختص بأدبار الصلوات المفروضات، فهو يبدأ من فجر يوم عرفة ويظل هكذا حتى عصر آخر أيام التشريق؛ لقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} (البقرة:203)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) رواه مسلم.
انظر أيضًا: أدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة
من صيغ التكبير:
الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ” هذه الصيغة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وغيره من السلف.
قال الشافعي رحمه الله: “وَإِنْ زَادَ فقال : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدَّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ : فَحَسَنٌ”.
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، ولله الحمد على ما هدانا ، اللهم اجعلنا لك من الشاكرين.
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر على ما هدانا.
صيام يوم عرفة وأيام التسع الأُوَل من ذي الحجة:
في أيام العشر وبالخصوص في يوم عرفة يتأكد الصيام، وهو داخل في عموم العمل الصالح الذي يأتيه المسلم في هذه الأيام، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة) رواه أبو داود وغيره، والمقصود بذلك صيام التسع الأُوَل من ذي الحجة؛ لأنه منهي عن صوم يوم العيد.
وأشد هذه الأيام تأكيدًا هو صيام يوم عرفة لغير الحاج، فقد ثبت عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفّر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم .
وقد روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
انظر أيضًا: فوائد صيام يوم عرفة
كان هذا ختام موضوعنا حول صيام يوم عرفة وفضل أيام العشر الأوائل من ذي الحجة وصيغ التكبير، بينا خلال هذه المقالة أهمية صيام يوم عرفة وأهمية صيام أيام التسع الأُوَل من شهر ذي الحجة، وما ورد في أنها أفضل الأيام التي يمكن أن يعمل فيها المسلم أعماله الصالحة؛ لما لها من فضل عظيم ومنزلة كبرى في الإسلام، وقد بينا أهمية صيام يوم عرفة وأنه يكفر سنتين للعبد، وقد بينا كذلك صيغ التكبير وأن هذا التكبير قد صار من السنن المهجورة التي ينبغي أن يحييها المسلمون من جديد، وأن يبدأوا بسنة التكبير المطلق من أول دخول أول يوم من أيام ذي الحجة.